الثلاثاء 24 يونيو 2025
ليلى حاج عمر
ليلى حاج عمر

الديكتاتور والابتسامة

ليلى حاج عمر

في رحيله تذكّرت كيف أنّ البوليس السياسي “جوز تنابلة ونص دستة من التيران” بلغة أحمد فؤاد نجم اقتحم ذات يوم من سنة 1991 بيت والدي بحثا عن أخي الإسلامي. “فتّشوا كلّ الأماكن وطلّعوا رفوف الدولاب” ولم يجدوا أحدا. وكانت صدمتهم الأولى حين شاهدوا اخوتي البنات الحداثيات جدا جدا ببنطلونات الدجين وكانوا يتوقعون أن يجدوا محجبات للتنكيل بهنّ. أمّا الصدمة الثانية فكانت حين فتّشوا المكتبة بحثا عن كتب إسلامية فوجدوا كتبا حمراء حمراء جدّا كالامبريالية اعلى مراحل الراسمالية والمادية والمذهب النقدي والبيان الشيوعي.. كان ذلك كفيلا بانصرافهم مهزومين.
في الاثناء كان اخي يختبئ عندي في بيتي البعيد آنذاك عن العاصمة وكنت حاملا في الشهر الاخير بابنتي البكر. وفي الصباح كنت أحمل محفظتي وابنتي في بطني وأذهب إلى المعهد لأدرّس وأتحاور وأمزح. كأن ليس ثمّة شيء.
بعد سبع سنوات نطقت. رويت لصديقة مقربة لي الحكاية فقالت: ولكنّك كنت دائما هادئة ومبتسمة.. انت بلحق بير غارق.
وهذا ما جنيته فعلا من الديكتاتورية: الابتسامة، والبير الغارق.
رحل الديكتاتور، وهو الآن عند ربّه، وبقيت الابتسامة.
والأسرار الطريفة والموجعة التي ستظلّ في البئر الغارق.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

ليلى حاج عمر

الخبز والدم

ليلى حاج عمر  هل كانت إعادة إنتاج الديكتاتوريات العربية بعد موجة الثّورات التي رفعت من …

ليلى حاج عمر

التونسي يجد راحته ولذّته في تصديق ما يريد تصديقه

ليلى حاج عمر  ذاهلة لدرجة التصديق الكلي التي يستسلم لها عدد كبير من “المتلقّين” للفيديوهات …

اترك تعليق