الشّعب يريد … معرفة المترشّحين
حسين السنوسي
أعترف أنّي فوجئت بوصول الأستاذ قيس السّعيّد إلى الدّور الثّاني من الإنتخابات الرّئاسيّة كما فوجئ بها الكثيرون، لكنّ عنصر المفاجأة جزء ممّا يعطي لهذا التّرشّح أهمّية كبرى، فهو الذّي حوّل انتخابات كان يراد لها أن تكون شكليّة، نتائجها معروفة سلفا، إلى ما أسمته جريدة “لوموند” الفرنسيّة بالإنتفاضة الإنتخابيّة.
هذه الإنتفاضة السّلميّة خبر جيّد وهي ما يدعونا إلى التّفاؤل رغم إدراكنا لصعوبة المرحلة المقبلة وقسوتها. لماذا؟ لأنّها دليل على أنّ تونس العمق أجمل بكثير من تونس الواجهة التّي نراها يوميّا في البرامج التّي تعلمون على القنوات التّي تعلمون، وأنّ الثّورة لم تنته وأنّ البركة في الشّباب -والشّباب المثقّف أساسا.
لكنّ هناك مسألة توشك أن تفسد علينا هذا المناخ الإيجابي أو على الأقل أن تحدّ من إيجابيّته وهي المتعلّقة بمدى معرفة التّونسيّين للرّبان الذّي يتوسّمون فيه الخير وقد يختارونه لقيادة سفينتهم.
ماذا يعرف التّونسيّون عن السّيّد قيس السّعيّد؟
يعرفون أنّه انحاز إلى ثورة الفقراء والشّباب وأنّه يصرّ على الحديث بالعربيّة الفصحى في زمن الفرانكاراب البشع وأنّه -على المستوى المهني- جامعي محترم وأنّه -على المستوى الشّخصي- مستقيم ومتواضع.
غير هذا يبدو لي أنّ التّونسيّين لا يعرفون عنه إلّا بعض المواقف المتفرّقة مثل رفضه القاطع للتّطبيع مع الكيان الصّهيوني.
هذا القليل الذّي يعرفه التّونسيّون مشرّف -لا شكّ في ذلك- ومهمّ -لا شكّ في ذلك- وقد يكون السّبب الرّئيسي لترشّح قيس السّعيّد إلى الدّور الثّاني وكان بالإمكان أن نكتفي به لو كان ترشّحه رمزيّا أو لمجرّد الشّهادة.
لكنّه اليوم على أبواب سلطة تعطيها ثقافتنا قيمة رمزيّة أكبر بكثير من الصّلاحيات التّي قرّرها الدّستور. لذلك فإنّ هذا القليل أضحى غير كاف، خاصّة إذا قارنّاه بما نعرفه عن مرشّحين آخرين يحتلّون الفضاء العامّ منذ سنوات طويلة.
يترتّب عن هذا أنّ أوّل سؤال نودّ -مثل كثير من مواطنينا- طرحه هو ببساطة: من هو قيس السّعيّد؟
لا بأس أن نعرف مثلا إذا كان له تموقع دقيق وواضح على رقعة الشّطرنج الفكريّة والسّياسيّة وإذا كانت هناك أوصاف يحبّ أن يطلقها على نفسه تمييزا لتوجّهه عن توجّهات غيره كما يطلق البعض غلى أنفسهم صفات الليبراليّة أو اليساريّة أو الإسلاميّة أو غيرها.
لا بأس أيضا أن نعرف شيئا عن مسيرته السّياسيّة والفكريّة وعن المحطّات التّي أوصلته إلى التّرشّح ثمّ إلى أبواب الرّئاسة.
لا بأس أخيرا -وليس آخرا- أن نعرف الفريق العامل معه والشّبكات التّي تمتّ له بصلة والخبراء الذّين يستشيرهم.
بعض الصّحافيّين -التّونسيّين والأجانب- تطوّعوا للإجابة على هذا السّؤال نيابة عن المترشّح فوصفته “لوموند” و “فرنسا 24” بالمحافظة ونعته أحد معلّقي القنوات التلفزيّة التّونسيّة بالسّلفيّة والرّجعيّة (وهي “تهمة” نفاها عنه السّيّد جوهر مبارك في تدوينة نقلتها الصّحافة الإلكترونيّة) وقارنته مجلّة “لوبوان” الفرنسيّة بـ”روبسبيير” رجل المقصلة وأشدّ رجال الثّورة الفرنسيّة استقامة وقسوة وذكّرت الصّحافيّة “لورا ماي قافريو” في تغريدة لها على “تويتر” بمواقفه من عقوبة الإعدام ومن المثليّة الجنسيّة لتصفه بأكثر من المحافظة وكتبت “لكسبريس” إنّ قيس السّعيّد زاهد وبعيد عن النّخب أمّا موقع “ليدرز” التونسي فقد نفى عنه ” تهمة” الإسلام السّياسي وأكّد على تمسّكه بالقانون والحقوق والنّظام.
صحيح أنّ على الصّحفيّين -والتّونسيّين منهم أساسا- أن يقوموا بعملهم البحثي والإعلامي وأن يجيبوا على تساؤلات المواطنين المتعلّقة بكل المترشّحين.
لكن كلّ هذا -أقصد ما قام به أو ما يجب أن يقوم به الصّحافيّون- ليس موضوعيّا بالضّرورة وفيه الكثير من الثّغرات والتّناقض.
لذلك فإنّنا نعتقد أنّ هذا العمل -التّعريف بالمترشّح تعريفا كافيا- يعود أساسا إلى المترشّح وإلى العاملين معه.
قد يقال لنا إنّ العبرة بالبرامج وليست بالأشخاص وهذا ليس صحيحا تماما لأنّ النّاس يحتاجون لكي تطمئنّ قلوبهم إلى إجابات على سؤال “من؟” بنفس القدر الذّي يحتاجون إلى أجوبة على سؤال “ماذا؟” والدّليل على ذلك حالة الحيرة والتّردّد التّي لاحظناها عند البعض في وسائل الإعلام وعلى صفحات التّواصل الإجتماعي.
الذّي حدث هو أنّه في غياب معلومات دقيقة عن حملة الأستاذ قيس السّعيّد، ولأنّ الطّبيعة تأبى الفراغ فإنّ النّاخب اليقظ الذّي يريد أن يعلم قبل أن يصوّت، وجد نفسه أمام أخبار تحتاج إلى تدقيق أو إلى نفي أو إلى تأكيد أو إلى تنسيب.
فمن قائل إنّ قيس السّعيّد مرشّح أقصى اليسار والدّليل على ذلك هو أنّ مدير حملته ليس إلّا “رضا لينين”،
إلى ذاهب إلى ما ذهب إليه جزء من الصّحافة الفرنسيّة من أنّه سلفيّ،
إلى مؤلّف بين هذا وذاك ومستخلص أنّ مرشّحا يحيط به ماركسيّون وعروبيّون وتحريريّون لا يمكن أن يكون “واضحا”.
المطلوب الآن هو وضع حدّ لهذا التّشويش بعمل إتّصالي نحسب أنّ الفريق المحيط بالمترشّح قادر عليه، يكون هدفه مزيد التّعريف بهذا الأخير وبما أعدّه لحلّ معضلات هذا البلد الطّيب وبالذّين اختارهم كي يرافقوه في هذه المسيرة الشّاقّة.
بعد هذه المرحلة التّي لا تعدو أن تكون المتر الأوّل من مسيرة أميال تبدأ أمّهات المعارك ولكنّ ذلك موضوع آخر قد نعود إليه.