بين الإمام مواطنًا.. والإمام خطيبًا
عبد القادر عبار
للأسف، لا تزال صورة الإمام الخطيب.. عند كثير من الناس مظلومة، وحقوقه مهضومة.. فتراهم يضيقون عليه ما يحلّونه لأنفسهم.. ويمنعونه من أشياء يريدون التمتع بها دونه.. وهذا ناتج في تقديري من عدم التفريق بين الإمام مواطنًا والإمام خطيبًا. بين وقوفه في المحراب.. ومشيه في السوق.
1. في كثير من الأحيان تستفزني تعليقات وتعقيبات غريبة من بعض المتابعين لصفحتي على تدوينات قد أبوح فيها بهواي كمواطن لشخصية ما ،أرى فيه مالا يرون ، أو أتحدث فيها عن وجهة نظري في شان ما ،افهم منه مالا يفهمون، أو أصرح فيها بذوقي في موضوع ما ،وللناس فيما يعشقون مذاهب.. كما قال الشاعر.
2. من ذلك موضوع الساعة الساخن.. الانتخابات الرئاسية، يريدون مني أن تكون صفحتي الفيسبوكية غائبة عن الحدث.. يتيمة، قاحلة دون غيرها من الصفحات، لا بوح فيها في السياسة ولا حتى إشارة تفضح هواي وتعاطفي أو اختياري لأحد المترشحين وان عصيت وركبت رأسي وتجرأت.. تأتي التعليقات مؤنبة وموبخة لا تراعي فيّ إلًّا ولا ذمّة.. “هذا أنت.. قدوة البلاد ؟”.. “ما دخل الدين في السياسة ؟”.. “لا يليق بك كإمام”.. “هذه دعاية سياسية ؟.. وغيرها كثير وشنيع..
3. ما غاب عن هؤلاء سامحهم الله أني أحاول أن اظهر على منبر الفيسبوك إمامًا مواطنًا -لا خطيب جمعة- مواطنا عاديا بلا جبة ولا عمامة ولا عصا.. ولا يلزمني الوضوء.. أمارس حقي دون ظلم لأحد.. في البوح والتدوين والتعليق والتعقيب وفق قناعاتي وأطروحاتي، وبلا خجل، انتمائي السياسي كذلك.. مثل بقية بني آدم المعاصرين الذين يتفاعلون ويتعاملون مع صفحات التواصل الاجتماعي..
4. أما وقوفي كإمام خطيب على منبر الجمعة فمسألة أخرى ومختلف تماما.. فانا واع بضوابط التكليف الجُمعي وملتزم بحدود وأخلاقيات الوظيفة، أرتب كلماتي وأنتقي شواهدي وأحترم عقول المصلين، أواكب هموم العباد والبلاد وأعيش أحداث واقعي المحلي والوطني والدولي لأنصح وأذكر وأأصّل وأوجه وارشد بما أراه مناسبا للواقع وموافقا للشرع وبما يقرب الناس من ربهم وبما يعينهم على إصلاح حالهم وتنمية نفوسهم ونفع بلادهم.. بعيدا عن البوح بقناعتي وانتماءاتي ودون تصريح ولا تلميح لجهة ما أو شخصية معية أو حزب..
5. لأني على المنبر انأ إمام الكل لا فرق عندي بين المصلين كلهم سواء عندي.. وليست عندي نية غسل أدمغتهم وتوجيهم لما يوافق هواي.. وإنما على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم “أفرغهم وأملأهم” بما قال الله وبما هدى الرسول وبما يقتضيه ويتطلبه منهم الواقع المعاش المعاصر.
6. فلا تلوموه.. ولا تظلموه ولا تبخسوه أشياءه.. وقد ولدته أمه حرا.. فلا تستعبدوه.