تدوينات تونسية

حزبيَ هو أكبرُ حزبٍ في العالَم

محمد كشكار

مواطن العالَم، وغاندي الهوى
فرحتُ كثيرًا عندما اكتشفتُ فجأةً أن حزبيَ هو أكبرُ حزبٍ في العالَم أجمع، وأن مبدئيَ هو أفضلُ مبدأٍ في الوجود، مبدأ “الاستقامة الأخلاقية على المستوى الفردي” (La spiritualité à l’échelle individuelle)!
تكبّرٌ وتفاخرٌ واستعلاءٌ! على مَن؟ على مَن ابتدعَ التكبّرَ والتفاخرَ والاستعلاءَ، على الرأسماليين الجشعين (أستثني منهم الحرفيين والمهنيين وصغار التجار والفلاحين الذين لا يستغلّون جهد غيرهم) وعلى الموظفين المرتشين وعلى المثقفين الذين هُمُ لِـذِمَمِهم بائعين وعلى السياسيين الفاسدين وعلى الأوربيين العنصريين، حُكّامًا ومواطنين.
حزبي هو حزبُ أشرفِ خلقِ الله كلّهِمِ، حزبُ المظلومين والمقهورين والمضطهَدين والمستضعَفين والمعوقين والمثقفين المهمّشين والمخلصين الصادقين من العمال والموظفين والفلاسفة والعلماء أجمعين (أقصِي منهم علماء الأسلحة والمأجورين لخدمة لوبيات الأدوية والمبيدات).
مبدئي هو ممارسة يومية وليس شعارات وهمية، منهجُ حياة تطبقه أغلبية سكان العالَم المنتمين إلى حزبي، كلهم شرفاء بإرادتهم أو بغير إرادتهم والنتيجة بالنسبة للآخرين واحدة: لا يُؤذَوْنَ بسببهم (مواطنٌ شريفٌ رغم أنفه، مثل مدرّسٍ غير جشعٍ مثلا، خيرٌ من مواطنٍ غير شريفٍ بإرادته ولا وجود لِـمواطنٍ غير شريفٍ بِـغير إرادته).
حزبي يضمّ أكبر عددٍ من المنتمين، عددٌ يفوق عددُ مسلمي العالَم ومسيحييه مجتمعين.
حزبي، حزبٌ غير عنصري وغير إقصائي وغير متعصّبٍ لِـدينٍ أو مذهبٍ أو طائفةٍ أو عِرقٍ أو جنسٍ أو لونٍ أو قوميةٍ أو جنسيةٍ أو وطنٍ أو حضارةٍ (و”لا حضارة تفوق حضارة”، أكبر اكتشافٍ توصلت إليه الأنتروبولوجيا، علم الأنسنة الذي خلَصَ العالَم غير الغربي من عقدته التاريخية حيال تعالِي وتجنِّي المركزية الأوروبية).
حزبٌ لا يقبلُ في صفوفه إلا مَن لا يكذبُ، لا يسرقُ، لا يخونُ، لا يغدرُ، لا يُدمنُ، لا يتكبّرُ، لا يتذللُ، حرٌّ كطيفِ النسيمِ، لا يستغلُّ الآخرَ، لا يظلمُ نفسَه ولا غيرَه وإذا ظُلِمَ لا يردُّ الظلمَ بظلمٍ ويَصبرُ!
حزبٌ يُطهّرُ نفسَه بنفسه ويلفظ دون محاكمة ولا محاسبة كل مَن يخون مبادئه ولا يقول للخائنِ إلا قولاً مهذّبًا لطيفَا: “أنتَ لستَ مِنّا” (بِـلغتِنا نحن المسلمين، نقول له “حسبنا الله ونعم الوكيل فيك”). أعضاؤه بشرٌ وليسوا ملائكةً، بشرٌ خطّاءون، وإذا أخطئوا فعن خطئهم بسرعة يتراجعون وللضررَ يُصلحون (في ثقافتنا نحن المسلمين، صحيح المخطئون يستغفرون لكنهم الخطأَ لا يصلحون، ظنًّا منهم أنهم بِـاستغفارِهم إلى ربهم يتقرّبون، وينسون أو يتناسون أن الله قد يسامح في حقه لكن في حق عبده لا تنتظروا منه عفوًا أيها المسلمون).
حزبٌ، الانتماءُ إليه لا يتطلب مبلغًا ماليًّا أو تعميرَ استمارةً ورقية، بل يتطلب ممارسة ميدانية وكبح للشهوات الغريزية واستقامةً أخلاقية مرئية وغير مرئية علنية وسرية دون انتظار جزاء ولا شكور ويشترط نكرانًا للذات وتضحية فوق-بشرية.
حزبٌ، لا فرق عنده بين عربي وأعجمي إلا بـ”الاستقامة الأخلاقية على المستوى الفردي”(La spiritualité à l’échelle individuelle).
إمضائي: لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ أخرى وعلى كل مقالٍ سيءٍ نرد بِـمقالٍ جيدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.
“وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر” (جبران)
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 2 سبتمبر 2019.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock