تدوينات تونسية

كلّ الطّرق تؤدّي الى قرطاج

فتحي الشوك

قيس شاب وسيم لا اعرفه شاهدت صورته تغزو صفحات التّواصل الاجتماعي وخبر مصرعه اثر تعرّضه لعمليّة “براكاج” في العوينة على ايدي مجموعة من المنحرفين يبدو انهم كانوا تحت تأثير القنّب الهندي.
مات قيس بينما يرقد اخوه الّذي كان يرافقه في إحدى غرف الانعاش وهو في حالة حرجة.
أمّ قيس وأبو قيس لا أعرفهما لكن بامكاني تخيّل المأساة الّتي يعيشانها الآن رفقة العائلة والأصدقاء وكلّ من عايش هذا الحدث الصّادم الجلل أو سمع به.
قيس كان بامكانه ان يكون ابني او ابن أيّ منّا، تصوّروا مقدار الألم والوجع الّذي سيعتصرنا ويصيبنا في مثل هكذا مصيبة.
هو الانحراف والمخدّرات الّتي صارت تروّج على قارعة الطّريق، أمام أعين الجميع وهو القنّب الهندي الّذي يبيّضه البعض لجعله خارج تصنيف المخدّرات الخطيرة وهي نتيجة مباشرة لتغييب القوانين الرّادعة بل ولمحاولات تطبيع الاستهلاك وتقنينه.
المجرمون الصّغار هم ضحايا الجهل والفقر والتهميش والفراغ العقلي والرّوحي، هم مخلوقات مشوّهة هجينة، جراثيم ميكروسكوبية، فيروسية أو باكتيرية او فطريّة، وهي تتطلُب بيئة ملائمة لتنمو وتتكاثر وخزّانا وحوامل للانتشار.
في الأمراض السّارية لا يمكن الرّأفة بمثل هذه الجراثيم فتلاحق وتعدم بالمضادّات الحيويّة ويعمل على تمتين مناعة الجسد المخترق من قبل هذه الكائنات الضارّة.
وفي زمننا التعيس فان هذه الميكروبات يقبض عليها لتنقل الى بيئة أخرى لتتغذّى وتصبح أكثر شراسة فتطلق من جديد لتمارس جرمها المعتاد.
كثرت في المدّة الأخيرة العمليّات الاجرامية، من عمليات “براكاج” واقتحام وترويع لمواطنين آمنين في بيوتهم ليشاهدوا سيوفا كتلك التي شاهدوها في التلفاز زمن الفتوحات الأولى، وافتكاك لسيّارات من أصحابها في واضحة النّهار تحت تهديد السّلاح، وتهديد مباشر لأمن المواطن وحياته، فمن أطلق عنان كلّ تلك الكلاب الموبوءة وهل هي ظاهرة طبيعية في سياق تدهورنا القيمي والمجتمعي أم تراها أياد آثمة تحرّك المياه الآسنة لتنشر ما فيها من تلوّث وعفن؟
يبدو أنّه يوجد شيء من هذا وذاك، جسد مريض أصابه الوهن تعرّض لقصف مركّز اضعافا لدفاعاته ومناعته يستهدف في أمنه وقوته وحياته ليعيش حالة من الرّهاب فيسهل توجيهه وتطويعه.
هي لعبة الانتخابات الًتي تمارس بلا قوانين لعبة.
قد تنفع بعض العمليات الارهابية في لحظة حرجة وقد ينفع أيضا اطلاق أيدي العصابات الاجرامية والنتيجة الاحساس بالخطر الوجودي الّذي يجعل المرء يبحث عن مخلّص منقذ يقيه شرّ تبعات ثورة “البرويطة”… ليس مهمّا من يكون، دمية أو طرطور، بارونا من كازا نوسترا او حتّى لوثة بعير!
صغار المجرمين ممّن ترونهم يروُعون الآمنين أو يفجّرون أنفسهم ليسوا سوى ريبوتات وأدوات تنفيذ لما يخطّط في المختبرات.
وكبار المجرمين قالوا لكم “الحبس ما يوقّفناش” بعد أن أكّدوا لكم أنّهم “سيحكموكم ويحكموا في والديكم”، كبارهم اعلنوا عن زبدة مشروعهم في اعادتكم إلى إسطبل الدّواب مستعينين بعصا وكز البعير. كلّ بطريقته وكلّ بوسيلته بسعون للضربة القاضية وللحظة الحسم وكلُ الطّرق تؤدّي الى قرطاج.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock