الإثنين 21 يوليو 2025
علي المسعودي
علي المسعودي

ربيع تونس.. هل عاد خريفا ؟

علي المسعودي

إن مشهد أطنان الحبوب التي جرفتها الأمطار والأودية، فيما تتصارع النخب السياسية على مقعد قرطاج لهو مشهد معبّر ومؤلم في آن. فرغيف السلطة هو ما يمثل جزء من عادات هذه النخب الغذائية وليس الخبز. ووظيفة الكمبرادور التابع لسيده الأجنبي هي مدار التنافس السياسي، وليس خدمة هذا الشعب.
لا أحد من هؤلاء السياسيين تحدث عن الأمر، ولا حتى قبل ذلك عن عمليات الحرق.. هم يراهنون على غيبوبة هذا الشعب، وعلى السبّابة الممدودة للحبر في كل وقت. قد تمتلئ أدبياتهم بالحديث عن “الزوالي” وقفته، وعن الفقير ومحنته.. ولكنها تبقى مجرد أدبيات، وطُعما لموسم الانتخابات..
•••
مازالت الشعارات التي صدحت بها حناجر الثائرين في 17 ديسمبر حيّة، وتزداد إلحاحا كل يوم.
ولكن الحناجر ما عاد لها صوت، حتى داخل الصناديق.
لقد كان الحراك الديسمبري غضبة عارمة ضدّ توحّش “عصابة السراق”، هذه الاولغارشيا التي نهبت ربع الاقتصاد أو يزيد.
وبعد تسع سنوات، الأوليغارشيا أصبحت في صيغة الجمع، واكتفت النخبة الثورية بموقف المتفرج على مشهد ضياع البلاد وقد نهشتها ضباع السياسة في كل واد. لقد تناسلت عائلات الفساد وتزاوجت وتصاهرت ثم تكاثرت حتى امتلأ بها كل حانوت سياسي وفاض.
بنى بن علي دولة تقمع باسم القانون، وتسرق باسم القانون، وتقتل في ظل القانون.
ومازالت هذه الدولة إلى حد اليوم، تقمع باسم القانون، وتسرق باسم القانون، وتقتل في ظل القانون.
الفرق الوحيد هو أنه بات من المتاح لنا التعليق على فلم دولة القانون أثناء العرض !.
الحرية السياسية بدورها، هذا المكسب الذي طالما ثمنّاه، يكاد ينقلب وهما أو سرابا خلّبا لا يروي ظمأ. فالسلطة السياسية مازالت بين الأيدي الآثمة نفسها، والإعلام مازال مدجّنا بالمال الحرام، والعمل السياسي أصبح شبيها بسوق للنصابين حيث تزوّر الإرادة الجماعية ببضعة أوراق من النقد أو حتى بالعجين.
إنها طاحونة الشيء المعتاد، وعندما نتأمل المشهد عشية الانتخابات الرئاسية سنراه ساحة سياسية قديمة في ثوب جديد: مجتمع المال والفساد ينافس بعضه البعض على السلطة، بينما يكتفي الخط الثوري والاصلاحي بدور الكومبارس أو شاهد الزور.. ولا أمل له في أدوار البطولة على المدى المنظور.
هذا هو الحصاد الحقيقي لحراك 17 ديسمبر: دمقرطة الصراع السياسي داخل أجنحة النظام القديم، وشرعنة الاحتجاج والصراخ العقيم.. بينما يموت الناس بحثا عن القوت  ويعبث الفسّاد بأرزاقهم كما عبثت أمطار الصيف بكثبان الحبوب.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

علي المسعودي

عندما تولد الآلهة .. وتموت أيضا ..

علي المسعودي تحتاج الدولة الغاشمة إلى شعب مؤمن عند الطلب حتى يستمرّ كيانها،.. بل إنها …

علي المسعودي

بيـــــان الخـلـع …

علي المسعودي الجامعة العامة للتعليم الثانوي تنتحر كل يوم.. وفي كل يوم تقطع شريانا من …

اترك تعليق