المسألة أكبر من هل يصلح القروي للرئاسة.. إلى هل يصلح الشاهد للديمقراطيّة.. ؟؟؟!!!
عبد اللّطيف درباله
أعتقد أنّ عامّة الناس يمكن أن يتعاملوا مع توقيت وطريقة وسرعة توقيف نبيل القروي.. بالعاطفة..
فالناس الذي يحبّون نبيل القروي أو قناته التلفزيّة أو أعمال المساعدات التي يقوم بها.. يمكن أن يتعاطفوا معه.. ويعتبرونه مظلوما.. وضحيّة مؤامرة.. ويدعون لإطلاق سراحه فورا..
والناس الذين لا يحبّون نبيل القروي.. أو لا يحبّون أن يروه رئيسا للجمهوريّة.. سيفرحون لإيقافه.. وسيعتبرون أنه إجراء مناسب.. وجزاء عادل.. مقابل تاريخه السلبيّ والأخطاء وأعمال الفساد المنسوبة إليه.. وسيعجبهم قطع الطريق عليه في الانتخابات حتّى لا يصل إلى الرئاسة..
لكنّ السياسيّين.. والمهتمّين بالسياسة.. والمواطنين الذين يرغبون في دولة ديمقراطيّة حرّة وقويّة.. يجب أن ينظروا للأمر بطريقة عقلانيّة وموضوعيّة..!!
إنّ توقيت القبض على نبيل القروي.. والسرعة “الطائرة”.. في تنفيذ بطاقة الإيداع بالسجن ضدّه.. بعد ساعات قليلة فقط من قرار قضائي صدر في الغرض.. وتحوّل فرقة أمنية كاملة لإيقاف القروي على الطريق السريعة بين تونس وباجة.. يوضّح بلا شكّ أنّ يدا قويّة في السلطة التنفيذيّة أمرت ونفّذت واستعملت قوّة الدولة لذلك..
ممّا يدلّ على أنّ الهدف هو سياسي بالأساس.. وليس قانوني أو قضائيّ.. وهو قطع الطريق على نبيل القروي في الانتخابات الرئاسية التي تضعه استطلاعات الرأي حول نوايا التصويت في المراتب الأولى فيها..
ولا يمكن أن تكون هذه اليد العليا النافذة.. إلاّ يد رئيس الحكومة يوسف الشاهد.. المتنافس هو أيضا على منصب رئيس الجمهوريّة..!!
طريقة وسرعة إيقاف نبيل القروي.. تذكّرنا أيضا بطريقة إيقاف برهان بسيّس سابقا بطريقة فوريّة خارقة.. إثر خلاف له مع الشاهد..!!
ويذكّرنا كلّ ذلك طبعا بأنّ نفس هذه الحكومة.. وهذه الوزارة للداخليّة.. التي تملك كلّ إمكانيّات البحث والرصد والمراقبة والتحرّك والجاهزيّة للقبض على بعض الصّادر في شأنهم قرارات قضائيّة.. في ساعة زمن عند اللّزوم.. لا تقوم بنفس ذلك العمل والإنجاز في حالات أخرى.. ومع متّهمين آخرين.. وفي ما يخصّ قرارات قضائيّة أخرى.. طالما أنها ليست على مزاجها.. وطالما أنّ الشخص المطلوب ليس خصما لرئيس الحكومة..!!
من ذلك مثلا.. أن الحبيب عمّار وزير بن علي وشريكه في انقلاب 7 نوفمبر.. لم يقع إلقاء القبض عليه طوال أشهر رغم صدور عدّة بطاقات جلب قضائية في شأنه في ما يخصّ اتّهامات بالتعذيب.. ورغم أنه كان يمارس حياته بطريقة طبيعيّة.. ويتجوّل علنا بين القصر الرئاسي.. والاذاعات والتلفزات..!!
كما أنّ الكثير من وزراء ومسؤولي بن علي.. صدرت في شأنهم بطاقات جلب أو إيداع أو أحكاما قضائيّة بالسجن.. بقيت حبرا على الورق طوال أشهر.. ولم نرَ هذه الشجاعة والنجاعة والسرعة الأمنية والحكومية في تنفيذ القرارات القضائيّة “توّة.. توّة”..!!
ما يجب أن نخشى منه ويتجاوز شخص نبيل القروي وغيره.. هو عودة الممارسات النوفمبريّة.. حيث الحاكم يضع يده على السلطة القضائيّة.. وعلى الجهاز الأمني.. وعلى الإدارة.. ويستعملها لهرسلة معارضيه.. وللقضاء على خصومه ومنافسيه السياسيّين..!!
فمنذ أشهر مثلا.. دخل سليم الرياحي رئيس حزب الاتحاد الوطني الحرّ.. في خلاف مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد.. فتحرّكت فجأة ملفّاته النائمة في القضاء.. وصدر في شأنه بسرعة بالغة تحجير سفر.. ووقعت مصادرة أملاكه.. وأصبح حتّى مهدّدا بالإيقاف..!!
ثمّ فجأة تمّ رفع تحجير السفر عن سليم الرياحي ليلة أزمة سياسيّة خانقة واجهت حكومة يوسف الشاهد وهدّدت بقاءه في السلطة.. فاسترجع الرياحي حريّته قبل يوم واحد من التصويت بمجلس نواب الشعب على الثقة في وزير الداخلية الجديد الذي عيّنه الشاهد بعد إقالة لطفي إبراهيم بطريقة فرديّة مثيرة.. وخشي أن لا يحصل على النصاب بالمجلس.. واكتشفنا أنّ نواب حزب سليم الرياحي الذين كانوا معارضين للشاهد ويعملون على إسقاطه.. صوّتوا فجأة معه.. بما كشف تفاصيل الصفقة السياسيّة..!!
بعدها غادر الرياحي تونس.. فعاد إلى مهاجمة الشاهد وقد شعر بأنّه تحرّر من مخاطر الإيقاف أو حجر السفر.. فصدرت في شأنه من جديد بطاقات جلب قضائيّة.. وأصبح مفتّشا عنه..!!
في نفس هذا اليوم.. أعلن حافظ قائد السبسي رئيس حزب نداء تونس.. وابن الرئيس الراحل الباجي قيد السبسي.. والذين هم جميعا.. الأب والابن والحزب.. هم أصحاب الفضل في إهداء حكم البلاد إلى يوسف الشاهد.. الذي كان نكرة لا تاريخ سياسي له.. أعلن حافظ أنه تعرّض لمعاملة مهينة بمطار تونس قرطاج أثناء عودته من السّفر.. وأنّه تمّ تفتيشه بدقّة بطريقة غير إنسانيّة..
ويعني ذلك على الأرجح أنّه خضع لتفتيش ديواني دقيق يصل إلى حدّ تعريته وفق ما هو معمول به في الحالات القصوى..!!!
وقد اتّهم حافظ السبسي الشاهد شخصيا بإصدار الأوامر لاهانته..!!
والحقيقة أنّ التفتيش الذاتي بالمطار.. في ما عدا الحالات الموضوعيّة العاديّة.. هو طريقة مذلّة تعتبر من الممارسات النوفمبرية الشهيرة للبوليس السياسي لبن عليّ قبل الثورة مع أغلب المعارضين..
إذ كان يقع تعمّد إهانتهم وإذلالهم عند دخولهم وخروجهم من المطار.. خاصّة في الرحلات ذات الهدف السياسي التي ترمي للتشهير بنظام بن علي في الخارج وفضح انتهاكاته لحقوق الإنسان.. فقد كانت الأوامر تقضي بتعطيل المعارضين.. وبسوء معاملتهم وتعريتهم وتفتيشهم بطريقة مهينة في المطار..!!
ويبدو أنّ الشاهد حفظ تلك الممارسات النوفمبريّة..
أو أنّ بعض مستشاريه وزمرته كانوا من خدم بن علي أيضا..!!
والطريف انّ وزارة الداخلية والديوانة أصدرتا اليوم بيانات توضيح تحاول فيها تبرير الممارسات في ما يخصّ سرعة إيقاف نبيل القروي وتفتيش حافظ قايد السبسي..
وهي شبيهة بالبيانات الخشبيّة لوزارات بن علي في الزمن البنفسجي..!!
ولنختم مع أحداث اليوم التعيس.. في اوّل أيّام حكم التفويض لرئيس الحكومة المؤقّت كمال مرجان..
فقد أعلن رضا بلحاج القيادي في حزب نداء تونس.. أنّ مدينة الثقافة بالعاصمة تراجعت عن منحهم فضاء لإحياء أربعينيّة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي بعد أسبوع من الموافقة المبدئيّة وبداية التحضيرات.. وذلك بتبرير انه لا يمكن ممارسة الأحزاب السياسيّة لنشاط بمدينة الثقافة..
وعندما جابههم بلحاج بأنّه سبق أيضا تنظيم أربعينيّة المرحومة ميّة الجريبي.. بنفس مدينة الثقافة.. وهي سياسيّة.. وقد نظمها حزبها الجمهوري.. اختصر المسؤولون الأمر عليه.. وقالوا له بوضوح أنّ تعليمات عليا صدرت بمنع إحياء أربعينيّة السبسي بالمدينة..
في النهاية يمكنك أن تأخذ موقفا عاطفيّا بحسب مزاجك وموقفك من نبيل القروي أو يوسف الشاهد أو حافظ قايد السبسي أو نداء تونس أو غيرهم..
ويمكنك أيضا أن تدع عنك العاطفة والأشخاص.. وتأخذ موقفا عقلانيّا.. يقطع مع قصر النظر بتثمين النتيجة الآنيّة بما تراه صحيحا أو في صالحك او يتوافق مع ميولاتك السياسيّة اليوم.. ويرتقي بك إلى الرغبة الأسمى في حماية الحريّة والديمقراطيّة.. والخوف على سلامة الحياة السياسيّة.. والرغبة في منع عودة الممارسات الديكتاتورية والنوفمبريّة..!!