تدوينات تونسية

الأحزاب التّجمّعيّة وعقدة دستور الثّورة

صالح التيزاوي

قدّم عبد الكريم الزّبيدي برنامجا من خمس نقاط لخوض حملته للإنتخابات الرّئاسيّة. أقلّ ما يقال فيه أنّه يتجاهل حقيقة أنّ تونس قد أنجزت ثورة، وأنّ نظام بن علي قد سقط وأنّ النّظام السّياسي قد تبدّل، وأنّ تونس قد قطعت مع الإستبداد ومع نظام الحزب الواحد. فلا نجد في برنامجه الخماسي ذكرا لكلمة الثّورة فضلا عن أهدافها أو تنويها بشهدائها. فهل تغيير الدّستور ومراجعة النّظام السّياسي وعودة المخلوع بصرف النّظر عن جرائمه ومفاسده أهمّ من تحقيق مطالب التّونسيين في التّنمية والتّشغيل ومواجهة الفساد المستشري؟ فلماذا اتّخذ الزبيدي من تغيير الدّستور أولويّة في برنامجه الإنتخابي ؟ وما الذي يزعجهم في دستور الثّورة؟ وبأيّ اتّجاه يريدون تغييره؟
من كان عارفا بعقليّة المنظومة القديمة التي نبتت في مناخ الإستبداد وتوارثته لأجيال وعملت على تكريسه، بل وحمايته بقوانين استثنائيّة، لا يخفى عليه أنّ صدورهم ضائقة بدستور الثّورة، وأنّهم مازالوا منغمسين في التّحايل على الدّيمقراطيّة مهما حاولوا التّورية والتْعمية. فما هي بواعثهم وأهدافهم من التّغيير الذي يتطلْعون إليه.
1. ترى المنظومة القديمة أنّها لم تشارك في صياغة دستور الثّورة، بموجب قرار من “الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثّورة..” التي منعت من التّرشّح لإنتخابات المجلس التّأسيسي كلّ شخص تحمّل مسؤوليّة في صلب هياكل التّجمّع، كما منعت من المشاركة كلّ من ناشد بن علي لولاية سادسة (2014).
2. يريدون إضافة بصمتهم على دستور الثّورة ليتخلّصوا من عقدة عدم المشاركة في إنجازه وحتّى لا يبقى ذكره شوكة مغروسة في أذهانهم تذكّرهم بخيانتهم لتونس الدّيمقراطيّة، تونس الحقوق وللحرّيات لمّا كانوا في الحكم لأكثر من نصف قرن وحتّى لا يبقى فضل إنجازه مضافا إلى الثّورة وحدها. فهو “دستور الثّورة” فكرا ومنهجا وصياغة وإجماعا.
3. الرّغبة المحمومة في إعادة صياغة السّلطة التّنفيذيّة، وتجميعها في رأس بدل رأسين، أي العودة إلى النّظام الرّئاسي وإلى سلطة الزّعيم الواحد، الذي يعود إليه أمر تعيين رئيس الحكومة وإقالته وحلّ البرلمان وسائر المؤسّسات الدّستوريّة.. تمهيدا لعودة الدّكتاتوريّة.
4. إدخال تغييرات تحدّ من رقابة البرلمان على العمل الحكومي، وربّما تنهى دوره في منح الثّقة للحكومات للحدّ من دور الأحزاب، وإطلاق يد الحكومة في تقييد الحرّيات الفردية والإلتفاف عليها وبسط نفوذها على المجتمع المدني وعلى الإعلام وحتّى على فضاء التّواصل الإجتماعي الذي بات يسبّب صداعا للحكومات المتعاقبة وللفاسدين.
بات واضحا أنّ دعوات تغيير الدّستور الذي تتطلّع إليه المنظومة القديمة من خلال برنامج الزّبيدي وآخرين مع تفاوت في الرّؤى بين التّغيير الجزئي والكلّي، ليس الهدف منه تجذير الحقوق والحرّيات، وإنّما باتّجاه الحدّ منها والإلتفاف عليها وتجفيف منابعها، وليس الهدف منه تكريس مسار الدّيمقراطيّة وإنّما الإلتفاف عليه، تمهيدا لتصفيته وتصفية كلّ مكتسبات الثّورة، وتتويج ذلك بالعفو عن المخلوع وتسهيل عودته، تحت ستار “المصالحة الوطنية الشّاملة”. كما جاء في النقطة الخامسة من البيان الإنتخابي للسّيّد الزبيدي.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock