مقالات

حقّ الانتخاب هل ضاع دمه بين القبائل ؟

نور الدين الغيلوفي

عن السباق إلى قرطاج
وملامح الخريطة
ما زلت لا أفهم سرّ السباق المحموم بين الفرقاء على كرسيّ الرئاسة ولا هذه الجرأة على مقام لا يستحقّه كثير من طالبيه في سياق ما نحن فيه من أفق تحوّل ديمقراطيّ تشهده بلادنا… عدد كبير من المقبولين لخوض السباق، عدا أولئك الذين رفضت الهيئة المستقلّة للانتخابات قبول ترشّحاتهم لانتفاء الشروط فيهم، عدد كبير بلغ ستّة وعشرين مترشّحا كلّ واحد منهم يطمح إلى أن يكون بعد 15 سبتمبر 2019 رئيسا على الشعب التونسيّ.. ولا أظنّ أحدا من هؤلاء أقدم على هذه الخطوة عبثا أو لتزجية الوقت.. كلّهم جاؤوا يتنافسون يدَ الرئاسة…
ولكن لماذا افترق السياسيّون كلَّ هذا الافتراق ولم يكتفوا بتقديم شخصيات لها وزن لخوض سباق الرئاسيات حتّى تكون حظوظها في الفوز أوفر؟
ألهذه الدرجة كان تفرّق التونسيين بعدما جاءتهم الثورة؟
لن أنظر في أسماء النكرات الذين ترشحوا لغايات مختلفة لست أعلمها، ولكنني سأنظر في العائلات السياسية الكبرى لماذا لم تنجح في ترشيح شخص تقف خلفه وتدعمه في سباقه ضدّ منافسيه؟
1. المنظومة القديمة: ترشّح عنها عبد الكريم الزبيدي وعبير موسي ومهدي جمعة.. وللقارئ أن يستكمل القائمة بمن يعرف نسبته إلى القديمة… وإذا كان الزبيدي وجمعة قد أُدمجا في منظومة حكم ما بعد 14 جانفي 2011 فإنّ موسي ظلّت محافظة على موقفها من الثورة ومن الشعب الذي تريد أن تحكمه لترّده إلى ما قبل 17 ديسمبر 2010 فتثأر من لحظة حرمتها من عوائد كانت تستفيد منها مع جملة من المحظيات والمحظيين.. تبدو موسي من أشدّ الناس عداوة للثورة، ولكنها لا تستنكف عن استثمارها في الترويج لنفسها، رئيسةً محتمَلة للتونسيين، بما لم تكن تحلم به لمّا كانت مجرّد مستكتَبة قانونية لدى الدائرة المقرّبة من الحزب الحاكم في الزمن النوفمبريّ تحظى ببعض الأعطيات.
المتبقّون من العهد النوفمبري هؤلاء فصيلان: فصيل واقعي أبدى تناغما مع اللحظة الجديدة واستعدادا لتداول عملاتها وفصيل يميني متطرّف يصنع له صورة يشتقها من حنينه إلى عهد يتناسى أن الشعب ثار ضدّه.. والفصيلان لا يلتقيان لذلك يتنافسان القاعدة الانتخابية نفسها.
2. اليسار: حمة الهمامي ومنجي الرحوي ومحسن مرزوق وعبيد البريكي والصافي سعيد وناجي جلّول.. كلّ أولئك من صنف اليسار الستاليني الراديكالي الذي لا يخفي تعاليه على الشعب ولكنّه يطلب إليه انتخابه ليكون عليه رئيسا.. ولولا ما أصاب اليسار التونسيّ، من أعطاب لا يفيد معها طبّ، لما تشتّت بهذه الصورة التي بدا فيها أتباع ستالين كما لو أنّهم من كواكب مختلفة لا مشترَك يجمعهم.. مرض القيادات اليسارية بالزعامة وتوهّم كل منهم أنه وريث ماو تسي تونغ الشرعي الوحيد، الأجدر بقيادة الثورة الوطنية الديمقراطية المؤجَّلة، جعلهم يرتدّون إلى معهود تهارشهم في زمن دراستهم بالجامعة وعراكهم حول تحديد نمط المجتمع التونسيّ…
3. الإسلاميون: عبد الفتّاح مورو وحمّادي الجبالي والهاشمي الحامدي.. هؤلاء من فصيلة الإسلام السياسيّ وكلّهم كانوا في حركة النهضة حتّى نهاية ثمانينات القرن الماضي.. وكان مورو، مرشّحها للرئاسيات، هو أوّل مغادريها في بداية المحرقة التي عاشتها تونس في ظلّ حكم النظام النوفمبريّ.. أمّا الحامدي فقد غادرها إلى غير رجعة والتحق بالمنظومة النوفمبرية حين احتدم الصراع، ولمّا قامت الثورة دخل المدينة خائفا يترقّب من بوّابة قناته التلفزيونية ليكتشف التونسيون مهرّجا يخترق المشهد السياسيّ الجديد بصورة لافتة.. أما حمادي الجبالي رئيس حكومة الفترة التأسيسية فقد كان يصبو إلى دعم عائلته السياسيّة القديمة لولا ما كان من ترشيح مورو.. هؤلاء أيضا يستهدفون الشريحة الناخبة ذاتها تقريبا وإن كان انضباط غالب النهضويين يصبّ في مصلحة مورو.
4. الثوريون: ترشّح منهم الدكتور منصف المرزوقي رئيس جمهورية الفترة التأسيسية ومحمد عبّو زميله في حزب المؤتمر وقتها قبل أن يخرج عليه ليؤسّس، رفقة زوجته النائبة سامية عبّو، حزب التيار الديمقراطيّ.. وسيف الدين مخلوف المحامي المعروف الذي يترشح لانتخابات الرئاسة بلا ظهير حزبيّ، تدفعه حماسته الثورية وبعض الذين آمنوا بأنّ ثورة الشباب تستحقّ أن يقود دولتَها الشباب.
هذه الترشحات بقدر ما تعبّر عن تحرّر المجال وخروج السلطة في أرفع أشكالها عن محتكريها، فهي تعكس خللا واضحا في اجتماعنا السياسيّ.. إذ بدل أن تكون الترشّحات علامات يضعها السياسيون ليهتديَ بها شعب الناخبين إلى الطريق وعناوين تدلّ المواطنين على خيارات متعدّدة يُدعَون إلى الاختيار بينها، بدل ذلك بدت متاهة قد تؤدّي إلى عزوف الناس عن الحضور يوم 15 سبتمبر 2019 لممارسة حقّهم في الانتخاب…
فهل ضاع دم حق الانتخاب بين القبائل حتى يقول المواطن لنفسه يوم الانتخاب: من لزم بيته فهو آمن؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock