مقالات

سبر الآراء بين فن الشائعات وعلم الواقعات

أبو يعرب المرزوقي

سأقترح سبرا للآراء يعسر أن يخطئ في توقع الآتي. وليس في ذلك علم لدني ولا تنبؤ أو وحي بل لأن الظاهرات السياسية تتحدد بتاريخ الجماعة وبقيمها التي يتردد فعلها بالتناسب مع أثر حاجات العاجل المصلحي والآجل القيمي. فالظاهرة السياسة ليست أمرا مجراه يخضع للصدف إلا في ما يتعلق بما يطرأ على هذين الوجهين من خارجها مثل موت قائد أو ظهور قائد لم يكونا متوقعين.
وإذن فيكفي أن نجيب عن سؤال بسيط: ماذا يحرك قرار الناخب إذا أصبح له هذا الحق الذي هو نوع من الملكية التي له فيها حق التصرف بيعا وشراء في سوق الطلب من المترشحين دون أن يتنافى ذلك مع جمعه مع ما فيه من “سيادة” القرار المتعلق بالقناعات القيمية والذي لا يخلو منه الإنسان حتى لو كان أميا؟
وواضح أن هذه العملية التي تترتب على كون حق التصويت هو بدوره “بضاعة” تتحدد قيمتها في سوق البيع والشراء الخاضع لقيمتي الاستعمال والتبادل ولموقف صاحبها من دوره من حيث هو سيد أو تاجر لم تكن معروفة في تونس لأن الانتخابات الحرة لم تكن موجودة. لم يكن الصوت ملكا لصاحبه بل كان يقرر بدلا منه بما يفرضه الاستبداد من لعبة شكلية لا يكون فيها صاحب الصوت صاحبه الفعلي.
وظيفة هذا السبر البنيوي الذي يتجاوز الأجوبة عن أسئلة موجهة من قبل ممول السبر باعتباره إحدى أدوات التأثير في الناخبين بمنطق تأثير الشائعات وهو أحد العوامل الموجهة للرأي العام إذ إن الاعلان عن نتائج هذا الاسبار الموجهة تولد شبه تبعية لا واعية للكثير ممن ربوا عليها وغالب الناس يتأثرون بالشائعات ويقلدون ما صار يبدو بديهيا.
فالشائعات التي من هذا الجنس وظيفتها تلميع بعض الأشخاص ومحاولة الاقناع بأن الاجماع قد حصل حولهم في حين أنه مجرد إشاعة لها تأثير يشبه تأثير الاشهار في بيع البضاعة الفاسدة في كل الأسواق. فيكون أصحاب منظمات السبر الذين يعملون بهذه الطريقة التجارية والمنافية للبحث العلمي مثل “براح” الأسواق للبيوعات. لذلك فقبيل الانتخابات تكثر حالات أشبه بسوق سيدي بو منديل أو بسوق المنصف باي لبيع الخردة من السياسيين للمصوتين بمقابل مصدره المافيات التي تجعل السياسة خيول سباق.
ولا شك أن الجميع يعلم أن السبر العلمي أساسه وراسه هو نزاهة اختيار العينة الممثلة للرأي العام المسبور واستعمال المناهج العلمي لحساب الاحتمال. فـمنهجه تطبيق قوانين حساب الاحتمال بمنطق ليس فيه تحيل حتى يكون التالي تاليا بحق عن المقدم المنتخب بشروط الانتخاب “الاتفاقي” “At random” في الاستدلال بالعينة الجزئية على الكل الذي تمثله على هذا النحو. والتلاعب إما في المقدم أو الاستنتاج أو فيهما.
وحتى أتجنب هذا التلاعب اريد أن أحدد طبيعة المحدد للمواقف المسبورة والتي تمثلها العينة التي تنتخب منها. فالمحدد هو طبيعة الدوافع المحركة للناخبين بصنفيها أي العاجل والآجل من دوافع الاختيار عند الإنسان. وبين أن العاجل هو الغالب دائما عند غالبية البشر والآجل مؤجل عندهم في الغالب وهو الذي يجعل الإنسان يعمل لسد حاجات العاجل على حسابات قناعات الآجل مثل التنصل من دافع سام لمصلحة عاجلة.
ويكفي الآن أن نسأل عن الدوافع القيمية السامية والمصلحية التي قد تعجلها لفهم ما يـحرك الإنسان متخذين التونسيين عينة من الجماعات البشرية مثلا-لأني لا اعتقد أن التونسيين لهم ما يجعلهم شاذين عن غيرهم بخلاف سخافات من يقول طبيعية التونسي هي كذا. فإذا كانت طبيعة فهي كونيه وإذا كانت خاصية فهي عادة والعادات تخضع لسنن كونية كذلك.
إذن يكفي أن نبحث في الدوافع القيمية ومؤجلاتها لنحدد مدى تدخل العاجل للحد من تأثيرها إلى حد التنصل منها مثلا مع تقدير أدنى وأعلى في درجات التنصل حتى نعلم حظوظ من يترشح باسمها فنحدد نسب ما سينالهم من قسمة المنتسبين إلى الخيارات التي ترشح باسمها زيد أو عمرو.
سأجرب استعمال القسمة الأفلاطونية لتحديد الخيارات التي تتنافس في الساحة أو التي يتقدم المترشحون باسمها للناخب حتى يختارهم بدلا من غيرهم وفيها دائما عزف عن أوتار الخيارات القيمية وهي كلها من الآجل والمصالح النفعية وهي كلها من العاجل. فأبدأ بالأصل الذي ظهر فيه معنى القوة السياسية الحديث أي الأحزاب. لم يكن عندنا احزاب وخاصة ثقافة الفعل الحزبي. ثم الفروع التي تلتها. فالحزب الأول كان الحزب الحر الدستوري. وقد انقسم إلى حزبين: البورقيبية التي خرجت عن الثعالبية وعليها.
لكن التفرع أبقى على الأصل الداخلي أي إن كلا الحزبين “تونسي” وكان الانقسام حول إطار التحرير هل هو الولاء لأصل الأصل (الثعالبي) أو البحث عن أصل جديد للأصل (بورقيبة).
وكان السؤال: هل إطار تحرير تونس عربي إسلامي؟
أم هو قرطاجني علماني؟
لكن الجواب التاريخي هو الذي بين ما ترجمته بهذا السؤال.
ولا يزال هذا الخلاف محددا لما يسميه توابعهما مشكل “النمط الاجتماعي” معتبرين الثاني رمز الحداثة والمستقبل والأول رمز الظلامية والماضي.
وبين هذين الحدين يوجد من اختار النهج البورقيبي مع المزايدة عليه ويمكن أن نرمز إلى ذلك بكتاب محمد الشرفي الإسلام والحرية ومن اختار نهج الثعالبي مع المزايدة عليه وهو ما يمكن تسميته بالنهج السلفي: المنفصلان عنهما هما إذن سلفية حداثوية وسلفية اسلاموية. لكن هذين يعتبران هامشيين ولا أثر لهما في حياة تونس السياسية حتى وإن بدأنا نسمع لهم صوتا بعد الثورة. فالمزايدة على البورقيبية هو القطع النهائي مع الحضارة العربية الاسلامية والمزايدة على الثعالبي هو القطع النهائي مع الحداثة الغربية.
وكلاهما قطع مع الوطنية إما باختيار العالمية الغربية أو بـاختيار العالمية الإسلامية وكأن المزايدتين تتنكران للأقوام وللأوطان إما باسم الحداثة أو باسم الإسلام. ولعل من يمثل التوجه هو السلفية الجهادية وقياسا عليها يمكن اعتبار اليسار التونسي والعربي عامة حداثية جهادية بل إن الارهاب لم يدخل ثقافة المسلمين إلا عن طريف هذه تبعا للماركسية وتلك تبعا للتشيع.
وهذان ايضا يعتبران هامشيين ولا أثر لهما في حياة تونس السياسية. فمن بعد هذين النوعين من الهامشيين في حياة تونس السياسية؟ كل الأحزاب التي تغتذي ممن لم يجد نفسه في هذا المواقف أو ممن ينتظر تجميع الغاضبين منهم. والغاضبون نوعان:

  1. إما “زعماء” سياسيين ليس لهم جمهور مثل الشابي والمرزوقي.
  2. أو شباب مثالي لم يجد ما يحلم به في قوس فزح الحزبي الحالي.

والآن فلأصنف الأحزاب كلها باعتبار البورقيبية والثعالبية حدين فعليين للحزبية كما هي في تراث تونس الحديثة أي منذ الخمس الأول من القرن الماضي إلى الان. فالنسبة إلى البورقيبية يوجد وسطان بينها وبين طرفها الأقصى. ومثلها الثعالبية. فما بين البورقيبية والقطع مع الحضارة الإسلامية نوعان كلاهما غربي حديث وهما:

  1. القومية العربية.
  2. والعالمية الماركسية.

وهما حزبان هامشيان لا وزن لهما حتى وإن أكثرا من اللغط والعنتريات ومحالفة أعداء الثورة بعدها.
وما بين الثعالبية والقطع مع الحضارة الحديثة حدا أقصى لها نوعان كلاهما ضد الغربي الحديث وهما:

  1. السلفية التي تدعي العلمية.
  2. وحزب التحرير.

وهما حزبان هامشيان لا وزن لهما وهما دون الهامشيان في الخط البورقيبي لغطا ومعاداة للثورة رغم استسلامهما للأمر الواقع أو ادعاء اللامبالاة بالانتخابات.
ويبقى حزب يلم كل من هب ودب ممن لم يحدد لنفسه هوية ويمكن أن نسميه حزب فضلات الاحزاب الأخرى أي الغاضبين من الزعماء والشباب. وغالبهم يكثر من التغني بالديموقراطية والحداثة والسيادة الوطنية شعارات لا أساس لها في قاعدة تكون قوة سياسية مستقرة.
وما لم تتكون قوة سياسية مستقرة فإن الأحزاب الذرية لا يمكن أن تكون أداة حكم فعلي لا في ماضي الشعب ولا في حاضره ولا في مستقبله لأنه حسب راي لا يتجاوز حديث الـمقاهي وأحزاب الكنبة بالمعنى المصري لأن الشباب في الغالب لا يصوت أما كلام السهرات بين أدعياء الفكر السياسي المتحرر من التاريخ بسبب انتفاخ أوداج أصحابه ممن لم يفهم علاقة السياسي بالتاريخي فهو ليس من السياسة في شيء حتى لو فتحوا ألف حزب.
أحصينا القوى السياسية المتنافسة وبينا وزن كل واحدة منها ولم يبق إلى أن نحدد العامل الثاني. وهو لا يتعلق بالقوة السياسية من حيث هي قاعدة مستقرة قادرة على حكم بلد بل بما يجعل الحاجات المصلحية تتدخل في الخيارات المبدئية فينتج التنصل من المبدأ من أجل المصلحة عند الناخب في الانتخاب وعند القوى السياسية في تحالفات الحسم.
وأبدأ بهذا العنصر الثاني لأنه هو مشكل الحال. فـماذا أعني بتحالفات الحسم؟
في الانتخابات ذات الدورة الواحدة يكون ذلك بتقاسم الدوائر بحسب الاوزان ويكون ذلك بالتحالفات الصريحة أو الضمنية. وفي الانتخابات ذات الدورتين يكون ذلك بالحلف في الدورة الثانية بعد أن تكون الأولى قد بينت الأوزان التي تحدد مساحة المساومات في تقاسم السلطة. وأبرز مثال في هذا الفن نلاحظه خاصة في إسرائيل حيث يوجد تذرر القوى السياسية والمفاوضات الشاقة لتكوين الحكومات.
أما بالنسبة إلى العامل الأول أي الناخبين فهم ينقسمون إلى نوعين:

  • الأعيان أو من لهم تأثير في الرأي العام دون أن يكونوا من الساسة وهم قابلون للتوظيف منهم من أجل التأثير.
  • والناخبون العاديون الذين يمكن لأولئك الأعيان التأثير فيهم بما لهم من سلطان عليهم ماديا كان ذلك أو رمزيا.

فالسلطان المادي على الناخبين (أرباب المؤسسات الخاصة) أو السلطان الرمزي (النجوم في الفن أو في الكرة) من أهم أدوات الفعل السياسي. فالمال السياسي يؤدي الدور الأساسي في كل ما ذكرنا أي في تحالفات القوى السياسية بالنوعين اللذين وصفت والتأثير في القواعد الانتخابية بالنوعين اللذين ذكرت أي إما التأثير بالوساطة أو التأثير المباشر بالمعونات والخدمات والوعود إلخ…
والآن بعد كل ما ذكرت ما هي الحظوظ وكيف نحددها بصورة شبه علمية؟
ابدأ بمن وصفتهم بالهامشيين كلهم. فهؤلاء حتى لو اجتمعوا كلهم على ترشيح شخص واحد ولم يتقاسموا جمهورهم فإن قاعدتهم ليست كافية لإنجاحه في الدورة الأولى من الانتخابات الرئيسية خاصة بعد أن “مصمصوا” ممن سموهم “شعب النهضة”.
لكن فتح لهم باب جديد هو شعب “بورقيبة” ذلك أن هذا الشعب ليس له الآن قيادة “كريديبل” تمثله بحق. وكل المنتسبين للحزب الذي كان حاكما قبل الثورة يصعب أن يذهبوا لممثل النهضة ويصعب ان يذهبوا لممثل الجبهة إذا ما استثنينا من استعملهم بن علي منهم أعني خاصة الوطديين ويصعب أن يذهبوا لممثل القوميين إذا ما استثنينا من استعملهم ابن علي استعماله للوطدييين ويصب أن يذهبوا لممثل “التيار الديموقراطي” وإلا لفعلوا منذ نشأته ويصعب أن يذهبوا لممثل للحراك بعد أن فشل صاحبه في الدورة السابقة.
سيتفرقون على المتكلمين باسم النظام القديم وبعضهم قد يذهب إلى النهضة بسبب الانتهازية أو يحجموا عن التصويت. وهذا هو الخلل المخيف في تونس اليوم بخلاف المظنون. وتلك هي العلة التي جعلتني أدعو منذ يوم انطلاق الانتخابات الأولى سنة 2011 في سيدي بوزيد بضرورة الصلح بين البورقيبية والثعالبية لأنهما الحزبان اللذان يتحدان في الأصل وينفصلان عند تأصيل اختيار الأصل أحدهما اختار عالمية قديمة والثاني عالمية حديثة للوطنية التونسية. من هنا الحاجة إلى المراجعة.
آمل أن يتوصل البورقيبيون إلى الاتفاق على شخصية ممثلة لخيارات بورقيبية وأن يعدلوها بضرورة الصلح مع الخيارات الثعالبية خاصة إذا كان مرشح الإسلاميين ممثلا للثعالبية المعدلة بضرورة الصلح مع الخيارات البورقيبية. والمراجعة تتعلق بالتحرر من أخطاء المسارين في تاريخ تونس وما أدت إليه من صراع خطير لا يمكن لتونس أن تتعافى وتشرع في النمو من دون تجاوزه.
فتونس بحاجة اليوم إلى “حلف سياسي كبير” بين هذين القوتين حتى تستكمل الانتقال الديموقراطي وتؤسس لشروط التداول على الحكم. وأعتقد أن أول عمل ينتظرهما هو مراجعة الدستور لجعله آداة حكم فعلي وليس” رابسودي” من كلام أجوف حول حقوق لا يمكن لبلد في حالة تونس أن يحقق واحد في المليون منها.
وتعديل البورقيبية يسير: ذلك أنها مارست الحكم ولا تفهم معنى المعارضة. وتعديل الثعالبية يسير: ذلك أنها مارست المعارضة ولا تعلم معنى الحكم. فيكفي أن نحدد أخطاء ممارسة الحكم من دون معارضة معترف بها وأخطاء ممارسة المعارضة من دون حكم معترف به حتى نحدد بدقة مجال الصلح بين التجربيتين:

  1. فالمعارضة من مقوماتها المبالغة في نقد الحكم لكنها تراجع نفسها لما تقرب منه بحظوظ وافرة.
  2. والحكم من مقوماته المبالغة في غلق أذنية لئلا يسمع المعارضة لكنه عندما يقرب من وضع المعارضة يبدأ فهم حاجة الحكم إلى صوتها.

ففي النظام الديموقراطي الشعب لا ينتخب من يحكم بالفعل فحسب بل ينتخب كذلك من يحكم بالقوة أو المعارضة. فلا يعقل أن يحكم من له 51 في المائة لكأن 49 لا وجود لهم. وهكذا فإني أستطيع القول:

  1. من له أداتا الفعل السياسي أي القاعدة الأساسية في شعبه مع وسائل تأثيره المادية التي تحول دون استغلال خصومه لحاجات قاعدته سيكون دون شك هو الرابح.
  2. وفي هذه الحالة لا بد أن توجد قوتان كبريان لحكم أي بلد احداهما بالفعل والثانية بالقوة. فيحكمان إما معا أو بالتداول بعد أن يستقر الوضع ويتجذر ثقافة الديموقراطية وحياد وظائف الدولة عن القوى السياسية التي تتنافس على قيادتها السياسية دون هيمنة على وظائفها.

دعوني الآن أعطي نتائج سبر الآراء “الفلسفي” الذي يعتمد المعيارين:

  1. قاعدة القوة السياسية أو جمهورها ويحددها التاريخ وهي مبدئية.
  2. والاستثناء وتتحدده المصلحة وهي انتهازية في القواعد وفي السياسة.

وأبدأ بالأوهام وسأسمي المعنيين لسوء الحظ. فوهم صاحب نسمة. له جمهور طنه صاحب حنية على الفقراء. لكن بمجرد بداية توظيف هذه الحنية فقد أهم ما جمهوره أعني من استغل عواطفهم في مساعدة الفقراء ليحولها إلى مال فاسد في خدمة مشروع سياسي خبيث يوظف موت ابنه لخيانة شعبه. لن يحصل على أكثر من نصف من استغباهم بحنيته الكاذبة وسيخسر كل من مول مساعداته لأنه خدعهم بأكاذيبه فجعل صدقاتهم حراما. فالتوانسة ليسوا أغبياء يا صاحب نسمة. أمر إلى القوميين واليساريين. كم جمهور القوميين إذا جمعنا الناصريين والبعثيين بصنفيهم والقذافيين؟
ما قد يملأ حانة متوسطة الحجم. إذن لا أحد منهم سينجح. ومثلهم اليساريون وخاصة بعد الانقسامات الأخيرة. أما السلفيون والتحريريون لا يؤمنون بالانتخابات.
ماذا بقي؟
بقيت المافيات التي تراهن على بقايا حزب بورقيبة وربما بعض الغاضبين من حزب النهضة. لكن حزب بورقيبة فتته ابن علي بجرثومة اليسار الوطدي والقوميين البعثيين والناصريين والقذافيين. ثم قضى عليه السبسي بأن تصور القدرة على اللعب بكل اليساريين والاتحاد وكانوا يخططون للعب به. فلما فشلا في التلاعب المتبادل انفجر الكوكتال مولوتوف الذي سماه جبهة الإنقاذ: وهذا التفتت هو نكبة تونس حاليا.
لم يعد للحزب الدستوري ممثلين جديين أو لنقل لم يبق لهم القدرة على اختيار ممثل جدي. فـموسي لا تمثل شيئا حقيقيا بل هي مجرد فقاعة. ولا أعتقد أن الزبيدي يمثل الدساترة ولولا الخلط بين شخصه عند الكثير وبين الدفاع لما كان اسمه يرد بين المرشحين. والشاهد كذلك لا يمثلهم وقد يجعل صورة الخائن للسبسي وحليف النهضة أهم عائق أمامه. ولا يمكن لأي وطدي أن يمثلهم. ناهيك عن ابن السبسي فأنا أشك حتى في تمثيله لنفسه. ولم يبرز بعد من يمكن أن يحقق وحدتهم بالمعنى السياسي لوحدة الأحزاب التي لا تتنافى مع تعدد التيارات في نفس الحزب.
بقي حزب النهضة. وأرى أن الحكمة الشعبية القائلة اليد الواحدة لا تصفق صحيحة في هذه الحالة. فاتتها فرصة مساعدة الدساترة على استئناف دورهم. ظنوا ما هو صحيح أي أن نخبة البورقيبية كانت في الجملة عملانية عائقا دون ذلك. لكن قاعدة البورقيبية إسلامية ولا تختلف عن قاعدة النهضة إلا بما في هذه من مستوردات غريبة عن عادات تونس وتقاليدها في فهم الإسلام والعيش بمقتضى قيمه. الصلح على عقيدة النخبة في الحالتين: نخبة الدساترة ونخبة النهضويين.
وهذا ما حاولت قوله من اليوم الأول الذي قبلت أن اساعد. ولما رأيت أن كلامي كان صيحة في واد عدت إلى ما كنت عليه: أناضل بمفردي في حدود ما يمكن منه القلم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock