كوابيس يوسف الشاهد في رئاسة الجمهوريّة.. "باقية وتتمدّد"..!!!
عبد اللّطيف درباله
مسكين يوسف الشاهد..!!
قبل بضعة أشهر.. وإلى حدّ شهر نوفمبر من نهاية سنة 2018.. كان الأوّل في نوايا التصويت للإنتخابات الرئاسيّة.. إلى أن طلع عليه أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد وأعلن رسميّا ترشحّه للرئاسة سنة 2019.. فاحتلّ مباشرة أوّل الترتيب في نوايا التصويت في عمليّات سبر الآراء.. وكان ذلك أوّل كابوس في أحلام الرئاسة للشابّ يوسف..!!
بعدها طلع على يوسف الشاهد نبيل القروي.. ليحتلّ بدوره المرتبة الأولى حينا.. والثانية حينا آخر.. ليتأخّر الشاهد إلى المرتبة الثالثة..
استطلاعات الرّأي الموالية أظهرت تقدّم عبير موسي أيضا.. وإن ببطأ.. إلى مرتبة أفضل من يوسف الشاهد.. حتّى ولو كانت بعيدة عن قمّة إستطلاعات الرأي.. مستفيدة من نسبة من المصوّتين الذين لهم حنين لعهد بن علي ويعادون الثورة والإسلاميّين والنّهضة ومعارضي بن علي..!!
في ذلك الوقت فكّر يوسف الشاهد في فكرة بدت له عبقريّة.. وهي تفصيل قانون مستحدث على المقاس لتعديل القانون الإنتخابي.. يضع به شروطا إضافيّة جديدة لم يقم بإقرارها الدّستور للترشّح للرئاسة.. يمكنها أن تقصي آليّا نبيل القروي من الترشّح ومن منافسته بقوّة..
لقي مشروع تعديل القانون الإنتخابي معارضة من عدّة قوى سياسيّة بالبرلمان.. وعلى رأسها كتلة حركة النهضة.. ممّا كان يعني آليّا عدم تمرير القانون.. وصدر قرار النهضة برفض القانون عن مكتبها التنفيذي بعد إجتماع ونقاش مطوّل في الموضوع..
لكنّ النهضة سرعان ما تراجعت عن رفضها.. وقبلت به بعد أقلّ من أسبوعين.. ولأسباب لا تزال مجهولة (!!!)..
غير أنّ بعض المعلومات والتحليلات تفيد بأنّه وقع الضغط على النهضة بتأجيل الإنتخابات التشريعيّة والرئاسيّة المبرمجة لشهري أكتوبر ونوفمبر..
وكان رئيس الجمهوريّة الراحل الباجي قايد السّبسي فاتح زعيم النهضة راشد الغنّوشي في ذلك..
ويبدو أنّ يوسف الشاهد أظهر للغنّوشي أنّه موافق على التأجيل لو لم يقع تمرير تعديل القانون الإنتخابي..
ولخوف النهضة من تبعات ومخاطر تأجيل الإنتخابات.. فقد قبلت بالتعديل أخيرا.. وحصلت في المقابل على إضافة في مشروع القانون متمثّلة في إقصاء من يمجّد الديكتاتوريّة ويدعو لانتهاك حقوق الإنسان.. وذلك بنيّة محاصرة عبير موسي وحزبها لكون خطابها عدائيّ وتحريضيّ ضدّ النهضة والإسلاميّين وضدّ الثورة والديمقراطيّة..
ولا شكّ أنّ يوسف الشاهد كان سعيدا باقتراح إضافة اقتراح النهضة في التعديل.. لكونه يمكن أن يستعمله عند اللّزوم وإن اقتضت الحاجة لذلك ضدّ عبير موسي نفسها أيضا إن أصبحت تشكّل تهديدا لمطامحه في الرئاسة بعد إقصاء نبيل القروي..
غير أنّ رئيس الجمهوريّة الرّاحل الباجي قايد السّبسي فاجأ يوسف الشاهد بما لم يكن في الحسبان.. ورفض إمضاء التعديلات على القانون الإنتخابي لنشرها بالرّائد الرسمي.. رغم قرار صادر عن الهيئة الوقتيّة لمراقبة دستوريّة القوانين بدستوريّتها.. وهكذا أوقف الباجي إكساء ذلك التعديل بقوّة النفاذ.. إلى أن توفيّ فجأة.. فتبخّر قانون الشاهد.. وبقي نبيل القروي ليقدّم ترشّحه..!!
لكنّ متاعب رئيس الحكومة يوسف الشاهد لم يكتب لها أن تنتهي.. فقد طلع عليه فجأة مرشّح جديد للرئاسة هو وزير الدّفاع الحالي عبد الكريم الزبيدي..
وكانت المعلومات في الدوائر الضيّقة أفادت منذ مدّة بأنّ بعض الجهات والقوى السياسيّة تسعى لترشيح الزبيدي للرئاسة بدعوى أنّه يصلح للمنصب لكونه غير متحزّب.. في وقت يتناسب ذلك مع مهام رئيس الجمهوريّة الذي يختصّ أساسا بحماية الدستور والأمن القومي والدفاع والعلاقات الخارجيّة.. وهي كلّها صلاحيّات لا تتطلّب بالضرورة أن يكون الرئيس منتميا لحزب له إيديولوجيا أو برنامج سياسي واقتصادي.. بقدر ما تتطلّب أن يكون الرئيس توافقيّا غير مائل لأيّ حزب سياسي.. لا سيما وأنّ الدستور الحالي يفرض على الرئيس الإستقالة من أيّ حزب ينتمي إليه طيلة مباشرة مهامه الرئاسيّة..
وبعد وفاة رئيس الجمهوريّة السبسي.. يبدو أنّ عبد الكريم الزّبيدي تخلّى عن تردّده السّابق.. وابتدأت فجأة ماكينة إعلاميّة في تلميع صورة وزير الدّفاع.. باعتباره أكاديميّا ووزيرا للدّفاع لم يدخل في منازعات سياسيّة ظاهرة.. وباعتباره يحتفظ بعلاقات متينة بعدّة أحزاب وقوى سياسيّة.. وأنّ له تاريخ في العمل الحكومي قبل وبعد الثورة..
في نفس السياق الترويجي.. بدأ الرّبط بين الزبيدي وبين السبسي.. وبدأ إظهار الرّجل وكأنّه مرشّح الباجي (المتوفّي) للرئاسة.. لاستغلال إرتفاع منسوب “العاطفة” اتّجاه الباجي بفعل وفاته وما رافقها..
وأصبح الزبيدي فجأة كابوسا جديدا يضاف لكوابيس يوسف الشاهد..
إذ أنّ وزير الدّفاع المستقيل سيغرف أصواته غالبا من نفس الشريحة الإنتخابيّة للشّاهد..!!
فإذا أضيف له نبيل القروي وقيس سعيّد وعبير موسي.. وغيرهم من نفس الوسط السياسي.. أصبحت حظوظ الشاهد ضعيفة جدّا حتّى في تخطّي الدّور الأوّل من الإنتخابات الرئاسيّة..!!
لكن.. وقبل أن يستفيق الشاهد من مفاجأة تقديم وزير دفاعه الزبيدي لترشّحه.. وتعمّده أيضا الاستقالة من منصبه الوزاري محرجا الشاهد أكثر..
صُدِمَ يوسف الشاهد بما لم يكن في الحسبان..!!
إذ قرّرت حركة النهضة فجأة.. وبعد صراع بين رئيسها ومكتبها التنفيذي ومكتبها السياسي الرافضين لمرشّح من النهضة للرئاسة من جهة.. وبين مجلس شورتها المصرّ على سعي الحركة لمنصب الرئيس.. وترشيح أحد قياداتها للانتخابات.. من جهة ثانية.. أنّها قرّرت ترشيح نائب رئيسها عبد الفتّاح مورو للرئاسيّة..!!!
وهكذا فقد الشاهد تماما حظّه في مساندة النهضة له.. بما كان ربّما يزيد من حظوظه في بلوغ الدور الأوّل.. ومن نسبة الأصوات التي قد تدعمه في الدور الثاني إن بلغه..!!
وحتّى بالرجوع إلى فرضيّة إمكانيّة إختيار حركة النهضة لعدم ترشيح رجل منها لانتخابات الرئاسة.. والتوافق على مساندة ترشّح يوسف الشّاهد.. والتي كان شقّ بارز من قيادات النهضة يدعمها..
فقد كان يمكن لها في حال حدوثها ضمان حصول يوسف الشّاهد على نسبة من الأصوات في الدّور الأوّل تسمح له بالمرور إلى الدّور الثاني.. لكنّه من الصعب جدّا أن يفوز بالدّور الثاني.. لكون مساندة النهضة بطريقة معلنة للشاهد قد تعني القضاء على أيّ حظوظ في تصويت شرائح الناخبين المعادين للنهضة لصالحه.. وهو ما يصعب معه عليه تخطّي نسبة 51 بالمائة من الأصوات في الدّورة الثانية من الإنتخابات..
هكذا.. يبدو رئيس الحكومة يوسف الشاهد اليوم في موقف لا يُحسد عليه..!!
إذ أنّه لم يكن يفكّر في رئاسة الجمهوريّة أصلا في البداية.. عندما انقلب على حزبه نداء تونس.. وتمرّد على عرّابه الباجي قايد السّبسي.. وقرّر أن يشقّ لنفسه طريقا جديدا بمفرده نحو السّلطة.. وأن يخوض إنتخابات 2019 للفوز بالحكم.. فقد كان يفكّر حينها في الفوز برئاسة الحكومة من جديد.. باعتبارها هي السّلطة الحقيقيّة اليوم في تونس.. وقد خبرها وأعجبته..!!
لكنّ الشاهد أدرك رويدا رويدا.. مع تعثّر حزبه الجديد.. وعدم إنطلاقه بالسّهولة والسّرعة والقوّة والفاعليّة التي تخيّلها.. أنّ فوز حزبه (“تحيا تونس”) بالمرتبة الأولى في الإنتخابات التشريعيّة يصعب جدّا.. وبالتالي فإنّه إن أمكن له الدخول في إئتلاف حاكم والمشاركة في الحكومة.. فإنّ فوزه برئاسة الحكومة من جديد شبه مستحيل في هذه الحالة..!!
عندها فكّر يوسف الشّاهد في إمكانيّة الترشّح لرئاسة الجمهوريّة.. على الأقلّ للفوز بمنصب رسمي رفيع ومهمّ يليق به..!!
وحتّى لا يبقى السنوات الخمس القادمة بدون أيّ منصب فاعل في الدّولة.. لأنّ مجرّد رئاسة الشاهد لحزب حاكم أو مشارك في الحكم.. لا تعني واقعيّا تحقيق السّلطة التي تمتّع بها في قصر القصبة طوال ثلاث سنوات..!!
وممّا شجّع الشاهد على تغيير دفّة هدفه من رئاسة الحكومة (التي أصبحت صعبة) إلى رئاسة الجمهوريّة (التي ظهرت متاحة في حينها).. هو ما أظهرته عمليّات سبر الآراء إلى الأشهر الأخيرة في سنة 2018.. من كونه يحتلّ المرتبة الأولى في نوايا التّصويت.. قبل السبسي نفسه.. وقبل المنصف المرزوقي.. الذي كان يمثّل حينها المرشّح الأوّل للشقّ الثوري..
ممّا جعل الشّاهد يرى في منصب رئيس الجمهوريّة التونسيّة ثمرة متاحة جدّا..
الآن.. ومع صعود أسماء عدّة مرشّحين تظهر نوايا التّصويت أنّها يمكن أن تفوقه في نسب الأصوات بالدّور الأوّل.. مثل قيس سعيّد ونبيل القروي وعبد الكريم الزبيدي ومحمّد المنصف المرزوقي وعبير موسي ومحمّد عبّو ومهدي جمعة.. فإنّ رئيس الحكومة يوسف الشاهد يعيش أسوأ كوابيسه وهو يرى قائمة المرشّحين الذين يفوقونه شعبيّة باقية وتتمدّد.. خاصّة وقد تصاعد إنكشاف مؤشّرات فشله في رئاسة الحكومة.. وانهار أيضا جزء من شعبيّته نتيجة الوفاة الفجئيّة لرئيس الجمهوريّة الباجي قايد السّبسي الذي كان غاضبا عليه وحزينا منه إلى آخر حياته.. ورفض مقابلته طيلة الأسابيع الأخيرة من مرضه.. وهو ما سيسبّب له فقدان نسبة هامّة من ناخبيه المتعاطفين مع الباجي.. تماما كما أنّ كونه أصبح محسوبا على النّهضة سبّب له خسارة شريحة أخرى لن تنتخب مرشّحا يدين لها في بقائه برئاسة الحكومة..
ووفق عمليّات سبر الآراء الموثوق بها إلى آخر الفترة قبل بداية منع نشر نتائجها للعموم قبل أسابيع وفق القانون الانتخابي.. فإنّ يوسف الشاهد لم يعد يجد له مكانا ضمن المراتب الثلاثة الأولى في نوايا التصويت للانتخابات الرئاسيّة..
ويرى محلّلون مختصّون اليوم.. أنّه بسبب كثرة المترشّحين للرئاسة.. وخاصّة من نفس العائلة السياسيّة للشاهد.. وعلى وقع الترشّحات الجديدة.. “النوعيّة” مثل الزبيدي.. والثقيلة مثل مورو.. فإنّ حظوظ الشاهد تدحرجت على الأرجح إلى ما بعد المرتبة الخامسة.. وهو ما يجعل حظوظه حتّى في بلوغ الدور الثاني صعبة جدّا.. وتحتاج لحملة انتخابية استثنائيّة من الشاهد لقلب معادلة تبدو في غير صالحه اليوم.
فهل يقدر يوسف الشاهد على إحداث “شبه المعجزة”..؟؟!!
وهل ينجح الشاهد برغم كلّ الظروف والمستجدّات والمفاجآت أن يحوّله كوابيسه الرئاسيّة إلى أحلام ورديّة من جديد..؟؟