المهدي جمعة المنتظر…
صالح التيزاوي
قبل أن يتمّ تعيينه وزيرا للصّناعة في حكومة التّرويكا الثّانية برئاسة على لعريض، لم يكن مهدي جمعة اسما معروفا عند التوانسة لا في السّياسة ولا في الإقتصاد. وإلى اليوم لا أحد
يدري كيف جاء إلى حكومة التّرويكا؟ ومن فرضه عليها؟ وكيف جرت الأمور لتعيينه على رأس حكومة “التّكنوكراط” خلفا لحكومة علي العريض؟ ومن هي الجهات التي فرضته؟
وقبل هذا كلّه، هل أطلع المهدي المنتظر حكومة الترويكا ثمّ الأطراف الموقْعة على خارطة الطّريق التي أفضت به إلى رئاسة الحكومة على جنسيته الفرنسيّة؟
كانت خارطة الطّريق تقضي بأن تعمل حكومته على قيادة البلاد نحو الإنتخابات التّشريعيّة والرّئاسيّة، ولكنّه وفي منتصف الطّريق فكّر جدّيّا في الإنقلاب عليها، حيث أبدى نيّته للتّرشّح للإنتخابات الرّئاسيّة، ولكنه تراجع سريعا تحت ضغط الأطراف الموقّعة على خارطة الطّريق..
سلّم السّلطة في آجالها لحكومة حزب النّداء الفائز في الإنتخابات والذي استولى بموجبها على الرّئاسات الثّلاث، ومنذ ذلك الحين غادر السّلطة وفي نفسه شيء من كرسي الرّئاسة، وهاهو يطرق بابه مجدّدا بعد أن أسّس حزبا يراه البعض بديل فرنسا في تونس. حتّى من طريق الدّروشة!!
أوّل القصيدة كفر… ينسب إلى “الوزير التكنوكراطي” قوله، بأنْه شاهد الرّسول الأكرم في منامه وأنْه صلّى اللّه عليه وسلْم اقرّه على مسعاه واعتبره طالع خير على أهل تونس..
لن أخوض في مسألة الرؤيا لأنّها ليست أصلا من أصول الدّين، وإنّما هي من الكرامات التي يهبها اللّه لمن يشاء من عباده الصالحين.. فهل أصبح المهدي من أولياء اللّه منذ أن عزم على خوض الرّئاسيّة؟ غير أنّنا نعرف أنّ أولياء اللّه الصّالحين، من سماتهم أنّهم لاينافسون على الدّنيا، ولم يتعلّق بهم حبّ الرّئاسة!! وإن صحّت دعواه، فهي بالكاد توصله إلى مشيخة الجامع الأعظم وليس إلى رئاسة الجمهوريّة!!!
لا شكّ أنّ حلم الفوز بكرسيّ الرّئاسة سيطر على عقله إلى حدّ الهوس، ولا شكّ أنّه يراهن على البسطاء والسذّج، صنائع الإعلام البورقيبي والنّوفمبري. قد تنطلي عليهم “حيلة الرّؤيا”
كما انطلت حيل غيره من الذين مردوا على الفساد، قد يصدّقون أنْه مهدي تونس المنتظر ليخلّصها من بؤسها وشقائها، وليملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا في عهد غيره من الحكومات السّابقة َاللاحقة.
تونس ليست في حاجة إلى المهدي المنتظر ليخلّصها من مشاكلها المعقّدة، وإنّما هي في حاجة إلى عقل سياسي مبدع وإلى سياسيبن وطنيين، يديرون الدّولة وأجهزتها لمصلحة المجموعة وليس لمصالحهم الخاصّة والحزبيّة أو مصالح القوى الإستعماريّة… ويجعلون من محاربة الفساد أولويّة وعليهم أن يبدؤوا بمحيطهم العائلي والحزبي حتّى يستعيدوا ثقة الشّعب في أجهزة الدّولة وفي مؤسسات الحكم. فهل فعل “الوليّ الصّالح” ذلك لمّا كانت السّلطة بين يديه؟!
وما ينبغي للوليّ الصّالح أن لا ينسى، أنّه قد أخذ فرصته.. ولم يحقّق شيئا لتونس من آمالها، بل كلّفتنا سياسته أعواما إضافيّة من نهب ثرواتنا الباطنيّة لأنّه لم يوقف التْجديد التّلقائي للعقود والصّفقات التي تنتفع بها فرنسا منذ الإحتلال. ولو فعل ذلك في فترة حكمه لكنّا اليوم على وشك تجديدها بشروط أخرى تراعي المصالح العليا لشعبنا. فهل نكافئه اليوم على تفريطه في ثروات البلاد ومصالح الشْعب بإرجاعه إلى الحكم؟… وكيف ما يقول المثل التّونسي “لو كان فالح راهو من البارح”.