نحن والانتخابات.. غرق السياسة
هادي بن علي
راكمنا بعض التجارب منذ التأسيسي ثم المحطات اللاحقة.. وهي مرجع للتأمل بقطع النظر عن ضاغطات المجلة الانتخابية التي تمنع ظهور منتصر يتحمل مسؤولية قيادة البلاد وفق برنامج وتمنع أيضا ظهور منهزم ينعم بشرف المعارضة.. وتبعا لذلك لم تعد صديقي الناخب في حاجة لتنتخب على قاعدة البرنامج.. لم يعد أي حزب في حاجة إلى اعتماد برنامج سواء في عناوين كبرى أو مشبع بالتفاصيل.. البرنامج سيكون حالة تفاوضية جديدة في البرلمان وبين التحالف الحكومي الهش في كل الأحوال..
في هذه الصورة المسطحة تحكم المعارضة من وراء الستار وتعارض على الركح وهي بذلك تجمع الحسنيين أما التحالف الحكومي فيكتفي بالواجهة ليتحمل أعباء النقد الجارح ويتخبط لعله يقنع المعارضة الحاكمة بما يمكن أن يفعله.. وبهذا المعنى يراوح الفعل الحكومي مكانه والجميع يراهن على متغير الوقت لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا..
لا يتعلق الجمود فقط بمخرجات الصندوق وعلاقات القوة بين المتنافسين.. ثمة طريق آخر أنهى الفعل السياسي برمته منذ بداية تجربة الترويكا وهو سحب الملفات جميعا من الفاعل السياسي لتصبح منفلتة أو في سلة الاتحاد العام التونسي للشغل.. ففي التربية لا علاقة للسياسي واقعيا بالملف وقد قيل “أهل القطاع هم من سيقومون بالإصلاح” وكان كذلك مع ملف الإعلام والقضاء والنقل وغيرها من القطاعات.. استفرد أهل القطاع بتحديد ما يجب فعله.. وعلى من تصدر مشهد الدولة أن يوفر التمويل.. أما المنوال الاقتصادي فلم يشذ عن ذلك وبقي عالقا بين مختلف المنظمات والدولة ذاتها ونحن نعاين الاختلالات الجهوية وعسر النمو وانحسار طروحات جادة وإبداعية للخروج من الأزمة.. بل أصبحت الأزمة وجها من وجوه الاستثمار والعمل المبرمج حيث تشعر أطراف كثيرة أن الاستقرار هو عدوها الأول المميت.. أمام كل ذلك ليس أمام السياسي سوى أن يعد بنقطتي نمو أو نقطتين وربع وعليه أن يعلم الناس بحيثياتها بالأرقام المبينة.. وعادة ليس بوسعه أن يفعل ما عجز عنه مدعون باختصاص الاقتصاد..
إذا عاينتم سياسيا يقترح برنامجا فاعلموا بجهله قواعد اللعبة الجديدة وممارسة الكذب والخديعة أصبحت أشد إتقانا وتركيبا.. لا أعني بالبرنامج وضع جمهور حزب ما في السجن وممارسة التطهير العرقي فهذا في نظري يحمل إدانة قانونية كافية حتى ولو كانت مثل هذه الدعوة الغرائزية تسعد كثيرا ممن يجتمعون حولها…
والخلاصة، سنندفع لاحقا لنحسم التصويب وفق متغير آخر ليس هو البرنامج وما يمكن الوعد به.. وهذا حبل نجاة لكل من يخشى الغرق.. غرق السياسة في انتظار بدائل غير تقليدية..