الشاهد مشغول بأسماء الشوارع..!
عبد اللّطيف درباله
هل تذكرون اللّقطة الهزليّة في المسرحية الكوميديّة “الواد سيّد الشغّال” للممثّل عادل إمام.. حينما أخبروه وهو يتقمّص دور عامل منزلي بقصر أحد الأثرياء أنّ أطباق الأكل من الخزف الصّيني هي ثمينة لأنّها من إمضاء “نابليون”.. فاستغرب وتساءل ساخرا متعجّبا: “يعني نابليون بونابرت.. متاع الحملية الفرنسيّة.. ساب الجيوش والأنجليز والمماليك.. وقعد يمضي على أطباق؟؟…”..!!!
حسنا.. يوسف الشاهد.. نعم رئيس الحكومة التونسيّة.. ترك كلّ مشاكل البلاد ومخاطر الإرهاب والأزمة الإقتصاديّة ونقص السيولة الماليّة ونقص العملة الصعبة والعجز التجاري وعجز الميزانيّة ومتطلبّات الموسم السياحي والأزمة السياسيّة وألف مشكل ومشكل في البلاد حاليّا.. ووجد الفكرة والإهتمام والوقت ليصدر أمرا حكوميّا خاصّا بإطلاق أسماء شخصيّات تونسيّة على الطرق والشوارع والمنشآت والمؤسّسات..
أي نعم.. يوم 12 جويلية 2019.. أصدر رئيس الحكومة الأمر الحكومي عدد 613 لسنة 2019 مؤرخ في 12 جويلية 2019 يتعلق بضبط طرق إسناد أسماء أشخاص طبيعيين للمعالم الجغرافية.
هكذا فجأة.. دون أن يكون الموضوع محلّ إهتمام أو أزمات أو مشاكل.. أو أن يكتسي صبغة مستعجلة.. أو كان موضوع نقاش أو تجاذبات..!!
ولا يعرف أحد لماذا فكّر رئيس الحكومة أصلا في إصدار مثل ذلك الأمر الحكومي في مثل ذلك الموضوع.. في ذلك التاريخ.. وكيف جاءته الفكرة.. وما مدى أهميّته أو تأكّده.. في حين أنّ البلاد تشكو عديد المشاكل الأهمّ والأكثر تأكّدا والتي هي في حاجة فعلا لأوامر حكوميّة وإهتمام حكوميّ.. عاجل وفوري..!!
وكان الشعب التونسي قد اكتشف فجأة خبر إصدار ذلك القانون مباشرة بعد وفاة رئيس الجمهوريّة الباجي قايد السّبسي.. وبدأ الإعلان عن إقتراحات تسمية بعض الشوارع والمنشآت باسمه.. فبرز على السّطح فجأة ذلك الأمر الحكومي الصّادر في صمت غريب قبل أسبوعين.. وتكمن الغرابة في كونه لم يقع الإعلان عنه من الحكومة.. أو تداوله في الإعلام..!!
ويمنع ذلك الأمر تسمية الأماكن الجغرافيّة والمنشآت بأسماء شخصيّات معروفة في قائم حياتهم أو قبل مرور ثلاثة سنوات كاملة على وفاتهم.. وهو ما جعل من إطلاق إسم الباجي قايد السّبسي على بعض الأماكن ممنوعا ومستحيلا طبق أمر الشّاهد..!!
ويأتي توقيت إصدار الأمر الحكومي للشّاهد ليزيد الغموض حول الموضوع.. فقد صدر الأمر يوم 12 جويلية.. قبل أسبوعين تماما من وفاة السبسي.. كما جاء بعد أسبوعين تماما من الأزمة الصحيّة الخطيرة الأولى لرئيس الجمهوريّة يوم 27 جوان 2019.. والتي أشرف فيها الباجي على الموت.. وسرت فعلا إشاعة موته لساعات قبل تكذيبها.. وتماثل الباجي للشفاء وتعدّيه مرحلة الخطر..!!
غير أنّ كلّ المقربّين من السبسي ورجال الدولة.. ومن بينهم أغلب أعضاء الحكومة ورئيسها الشاهد بالتأكيد.. كانوا على دراية بأنّ الرئيس السبسي بدأت صحّته تشهد إنتكاسة سريعة.. وأنّه يصارع الموت بالفعل.. خاصّة مع تقدّمه البالغ في السنّ.. وتعدّد أمراضه.. بما يضعف قدرته البدنيّة على المقاومة..
وفي الوقت الذي كان المفروض برجال الدّولة أن يهتمّوا بسيناريوهات وفاة رئيس الجمهوريّة وتأثيرها على الأمن القومي وعلى البلاد وعلى الشعب وتبعاتها السياسيّة المحتملة.. وما يجب فعله إن حصل ذلك.. خاصّة في ما يخصّ ضرورة تأمين الإنتقال السّلمي للسّلطة.. وتأمين الإنتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة القريبة القادمة..
في ذلك الوقت كان رئيس الحكومة يوسف الشّاهد مشغولا على العكس من ذلك بإصدار قانون كان سيمنع عمليّا إطلاق إسم رئيس الجمهوريّة الباجي قايد السّبسي على أيّ مكان في تونس.. سواء في ما بقي من حياته.. أو إلى ما بعد ثلاثة سنوات كاملة من مماته..!!
ربّما هي مجرّد “صدفة” لا غير.. فاللّه والشاهد أعلم..