عبد السلام الككلي – علي الجوابي
أوردت اذاعة «شمس أف أم» يوم السبت 20 جويلية في موقعها أن نورالدّين بن نتيشة مستشار رئيس الجمهورية صرّح لها “أنّ رئيس الجمهورية الباجي قايد السّبسي لن يختم القانون الانتخابي الجديد لأنه بعيد كلّ البعد عن مبادئه” حسب هذه الاذاعة استعمل مستشار رئيس الجمهورية “لن” الزّمخشرية للإفادة بان رئيس الجمهورية يرفض رفضا قطعيا ختم القانون الانتخابي في صيغته التّي صادق عليها مجلس نواب الشّعب واقرّت دستوريتها هيئة مراقبة دستورية مشاريع القانون وعلّل الرّفض القطعي بأنّ تلك الصيغة تتعارض مع مبادئ رئيس الجمهورية الذّي «لن يصادق على قانون يقصي بعض الخصوم السّياسيين قبل فترة وجيزة من الانتخابات».
لنسلّم جدلا بأن القانون الانتخابي في صيغته المعدّلة في جوان الماضي يقصي خصوما سياسيين نلاحظ أنّه ليس من صلاحيات رئيس الجمهورية رفض ختم القانون فهو في هذا الجانب ذو صلاحية مقيّدة توجب عليه ختم القانون وإنّما أسند له الدّستور صلاحيات متعددة منها الطعن في القانون لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين مباشرة بعد المصادقة عليه من قبل المجلس النيابي ومنها حق ردّ مشروع القانون الى مجلس نواب الشعب بعد قرار الهيئة سواء بالدستورية او بعدمها و ومنها حق عرض مشروع القانون على الاستفتاء.
وهنا يتجه ابداء الملاحظات الجوهرية التالية:
1. يخوّل الفصل 81 من الدّستور لرئيس الجمهورية حقّ ردّ مشروع القانون الى مجلس نوّاب الشّعب للتّداول فيه ثانية ويجب ان يكون ردّ المشروع معلّلا ويستثنى من حقّ الرّد مشاريع القوانين الدّستورية لكن هذا الحق مرتبط شديد الارتباط بالمحكمة الدّستورية لأنّ رئيس الجمهورية يمارسه خلال أجل لا ينطبق الا على المحكمة.
غير ان المحكمة الدستورية لم تركز فقد عجز مجلس نواب الشعب عن انتخاب اعضائها الاربعة الراجعين اليه بالنظر بل تعمّدوا عدم الانتخاب. مع العلم ان الهيئة الوقتية ليست محكمة دستورية ولا تقوم مقامها. لذا مبدئيا فان رئيس الجمهورية ليس ملزما بممارسة حق الردّ طبق الآجال المنصوص عليه بالفصل 81 من الدّستور ما لم ترس المحكمة الدّستورية. لكن يمكن له ممارسة حق الرّد طبق ما هو منصوص عليه بالفصل 23 من القانون المحدث لهيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين. غير أنه خلافا للفصل 81 من الدستور لم يضبط هذا القانون أجلا يمارس خلاله رئيس الجمهورية حقّ الرّد فالفصل 23 المذكور ينصّ على أنّه اذا قضت الهيئة بدستورية مشروع القانون يحال الى رئيس الجمهورية لختمه أو ردّه بحسب الحال.
وبالرجوع الى الفصل 23 من قانون الهيئة فان هذا الفصل في حال الحكم بالدستورية يضع امام رئيس الجمهورية اختيارين لا ثالث لهما وهما الختم او الرد. ولئن كان الفصل لا يحدد اجلا للختم او الرد في حالة الحكم بالدستورية فقط لا في حالة الحكم بعدم الدستورية التي يضع فيها اجلا محددا فان ذلك لا يعطيه الحق باي شكل من الاشكال في استنباط حالة ثالثة لا وجود لها لا في الدستور ولا في قانون الهيئة. اما في ما يخص الاجل فانه في حال غيابه وهو من ادق الوضعيات القانونية تدخل المشرع لوضع مفهوم «الاجل المعقول«. ويرجع في تبين هذا المفهوم في قانوننا الى مجلة الالتزامات والعقود (الفصل 137) وهو مفهوم وقع التوسع فيه وتبناه القضاء الإداري أيضا وغايته تحقيق التوازن بين حقوق الجهات المتنازعة وتحقيق ما يسمى بالامن القانوني. والاجل المعقول يراد به من الناحية القانونية اقتضاء الحق داخل اجل عادل ومنصف وبطريقة مقبولة ومصادفة للمنطق السليم للأشياء ومصطلح معقول ينصرف لغويا الى القدرة على التفكير التي تخول للفرد اصدار احكام سليمة وبالتالي تجسيمها على ارض الواقع. ومن الناحية القانونية يعتبر عدم التقيد بهذا الاجل المعقول الذي يتحدد بحسب الحالة ضربا من ضروب التعسف في استعمال الحق او في حالتنا هذه الانحراف بالسلطة التي خولها الدستور لرئيس الجمهورية (د. احمد بلا توظيف القانون الإداري لنظرية الاجل المعقول لممارسة الحق موقع العدالة المغربية).
..ومن البديهي ان الاجل المعقول ينتهي قبل 22 جويلية موعد فتح باب الترشحات للتشريعية اذ انه كان على رئيس الجمهورية ان يختم مشروع القانون بعد ان استوفى جميع مراحله قبل شروع هيئة الانتخابات في قبول الترشحات في التاريخ المذكور لما للقانون المعدل من تأثير جسيم على العملية الانتخابية برمتها من تقديم الترشحات وقبولها او رفضها بناء على القانون المعدل الى نتائج الانتخابات التي بلا شك تتأثر ايما تأثر بوجود القانون المعدل من عدمه.
2. وبالاطّلاع على اعمال المجلس الوطني التّأسيسي نتأكّد أن الدّستور لم يخوّل لرئيس الجمهورية رفض ختم القانون فقد جاء في تقرير « لجنة السّلطة التّشريعية والسّلطة التّنفيذية والعلاقة بينهما وهي إحدى اللجان التأسيسية بالمجلس أنّه تمّ التّوافق بين اعضائها على التّنصيص «على انّ رئيس الجمهورية يمثّل وحدة الدّولة و يضمن استقلالها واستمراريتها ويسهر على احترام الدّستور والمعاهدات وحقوق الانسان وله صلاحية حلّ المجلس في الحالات التّي يضبطها الدستور بالإضافة الى حقّ الفيتو الذّي يخوّل له ردّ مشروع القانون لتلاوة ثانية عند الختم وحقّه في العرض على الاستفتاء، لقد استعملت هذه اللجنة التأسيسية في تقريرها عبارة «حق الفيتو» هو نفسه بالضبط وبيّنت انه يتعلّق فقط بحقّ الرّد وحقّ العرض على الاستفتاء.
وخلافا لما توهّمه بعض أساتذة القانون لا يجوز اعتبار رفض رئيس الجمهورية ختم القانون ممارسة لختم الفيتو النّهائي المخول مثلا لرئيس الولايات المتحدة الاميركية ممارسته لانّ هذا النوع من الفيتو يمارس قبل عشرة أيام من نهاية الدورة البرلمانية فيرفض ختم القانون فيعيد لذلك الكونغرس الاميركي دراسة مشروع القانون من جديد في دورته البرلمانية الموالية (يراجع في ما يخص فيتو الجيب “Veto de poche” كتاب «المبادئ الاساسية للقانون الدستوري والانظمة السياسية» للأستاذ محمد رضا بن حماد ، مركز النّشر الجامعي، تونس 2006، الصّفحة 410 و411).
وفي الولايات المتحدة الأميركية فان آليات عزل رئيس الجمهورية ليست معطّلة بينما هي في بلادنا معطّلة بحكم عدم وجود محكمة دستورية ثمّ انّ حق الفيتو في الولايات المتحدة الاميركية هو في جوهره حق الرّد ويمارس في الايام الاخيرة من الدورة البرلمانية بينما الدورة النيابية الحالية في تونس ليست في العشر الايام الاخيرة ثم ان رئيس الجمهورية كما اعلن مستشاره لن يختم القانون ولم يعلن انه سيمارس حق النقض.
استعرض التقرير آليات التّوازن والرّقابة بين هاتين السّلطتين ففي فقرة أولى بعنوان الرّقابة على السّلطة التّنفيذية عدّد صور هذه الرّقابة وهي:
- أ. عزل رئيس الجمهورية.
- ب. لائحة اللّوم البنّاءة ضدّ الحكومة.
- ج. الأسئلة الشّفاهية والكتابية.
وفي فقرة ثانية بعنوان « آليات التّوازن مع السّلطة التّشريعية » استعرض صلاحيات رئيس الجمهورية تجاه هذه السّلطة وهي تتمثّل في:
- أ. حلّ المجلس النّيابي في صور محدّدة.
- ب. حقّ ردّ القوانين الى مجلس نواب الشّعب لقراءة ثانية.
ويضاف لهاتين الصّلاحيتين صلاحية عرض بعض مشاريع القوانين على الاستفتاء.
لقد قضت الهيئة بدستورية مشروع قانون تنقيح القانون الانتخابي اثر عريضة طعن قدّمها لها 51 خمسون نائبا ولم يطعن رئيس الجمهورية في دستورية ذلك التنقيح فلم يبق له عملا بصريح الفصل 23 من قانون الهيئة من خيار سوى استعمال حقّ الرّد أو ختم القانون لكنّه فضّل حسب افادة مستشارة عدم ختم القانون الانتخابي بمعنى رفض القيام بصلاحية جوهرية اسندها له الدستور تتمثل في ختم القانون والاذن بنشره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية. فخرق بذلك الدستور ومبدئيا تنطبق عليه آلية الفصل 88 من الدستور التّي تنص على انه لمجلس نواب الشعب اعفاء رئيس الجمهورية من اجل الخرق الجسيم للدستور لكنه يدرك جيّدا أن آلية الفصل 88 غير قابلة للتّنفيذ حاليا بسبب عدم ارساء المحكمة الدستورية التّي يرجع لها النّظر والبت في لائحة الاعفاء المحالة اليها من مجلس نواب الشّعب اذا وافق عليها بأغلبية الثّلثين من اعضائه.
ويتحمّل مسؤولية هذه الوضعية سياسيا السّلطة التّشريعية ورئيس الجمهورية و الحكومة و جميع الاحزاب السّياسية الممثّلة في مجلس نواب الشّعب فلو توفّرت لديهم الارادة لاتّفقوا وانتخبوا الأعضاء الاربعة المطلوب منهم انتخابهم.. مع توضيح مسالة جوهرية يجهلها او يتجاهلها اغلب من حملوا المجلس النيابي ورئيس الجمهورية سواء بسواء المسؤولية في كل ما حدث. هناك بلا شك فرق جوهري بين تقاعس المجلس في تركيز المحكمة بعد عام من الانتخابات التشريعية كما هو منصوص عليه بالدستور وبين ما اتاه رئيس الجمهورية. لان الاجل المذكور لتركيز المحكمة اعتبره اكثر شراح الدستور استحثاثيا اذ لم يرتب أي جزاء على استنفاد الاجل في حين رتب على خرق الدستور من قبل رئيس الجمهورية جزاء وهو الاعفاء أي العزل من قبل ثلثي أعضاء المجلس النيابي بعد إقرار المحكمة الدستورية بوجود هذا الخرق بثلثي أعضائها أيضا. (ركز المجلس الأعلى للقضاء بعد اكثر من عام ونصف من انقضاء اجل تركيزه أي ستة اشهر من الانتخابات التشريعية ولا احد ناقش شرعية تركيز المجلس خارج الآجال لأنه لا احد اعتبر الاجل ملزما ماسا بشرعية المجلس).
لكن يبدو أن السّياسي في بلادنا لم يستوعب حتى بعد الثورة فكرة القاضي الدستوري المستقل والنزيه والمحايد حتى لو رشحه حزب سياسي الى عضوية المحكمة. وعلى هذا الأساس يفضل كل حزب القضاة الدستوريين الذين اختارهم والذين يملك امكانية دفعهم في احكامهم الى الاتجاه الذي يخدم مصالحه حسب ما يبدو من تصرف النواب وتشبث كل كتلة بمرشحيها…وقد عزز هذه الفكرة تاريخ طويل ومؤلم من تأثير السياسي في العمل القضائي حتى اضحى القاضي في المخيال الشعبي، خاصة في القضايا التي تهم الرأي العام رمزا لانعدام النزاهة وانتفاء الحياد وقلة الاستقلالية.
عدم ارساء المحكمة الدستورية والاعلان عن رفض رئيس الجمهورية ختم القانون هما حدثان يذكران بالأمر الذي بموجبه اوقف محمد الصادق باي العمل بالمجلس الاكبر المحدث بدستور 1861 الذي ينص في الفصل 9 أن البيعة للملك تنحل اذا خالف عمدا القانون وينصّ في الفصل 11 على ان الملك مسؤول عن تصرّفاته أمام المجلس الاكبر اذا خالف القانون، لم تتغير العقلية فرؤساء الدولة في تونس يخشون المحاسبة ويتعمّدون مخالفة القانون.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.