عبد اللّطيف درباله
جماعة “يحيا يوسف الشاهد” ومن لفّ لفّهم..
وبعض الذين استفزتّهم إمكانيّة أن يصل أمثال نبيل القروي وألفة الترّاس إلى السلطة..
وبعض “المرتعشين” فجأة على خدش الدستور التونسي..
خمس سنوات كاملة ولم ينجحوا في تأسيس أهمّ ركائز النظام الديمقراطي.. وهي المحكمة الدستوريّة.. لأنّه وببساطة.. كان كلّ واحد منهم يسعى لتعيين أنصاره ورجاله الموالين له في المحكمة الدستوريّة.. لضمان سيطرته على أعضائها.. وبالتالي على أحكامها..
ورغم ذلك مازالوا يتشدّقون زيفا بضرورة إحترام الدستور..!!
ثمّ وفي غياب محكمة دستورية تليق باسمها.. عمدوا إلى خرق الدستور.. بتفصيل تعديل خاصّ وعاجل على القياس في الربع ساعة الأخير للقانون الانتخابي لزيادة شروط جديدة للترشّح للانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة لم يأت بها الدستور أصلا.. فقط لإقصاء منافسين جدد أظهرت استطلاعات الرأي أنّهم سبقوهم..!!
وكان الدستور التونسي الجديد في الواقع قد حدّد بنفسه كامل شروط الترشّح.. ولم يفتح المجال لأيّ قانون آخر ليأت بعده بشروط أخرى أو إضافية أو جديدة..!!!
ثمّ بعد ذلك يأتون بكلّ بجاحة ليتحدّثون عن خرق رئيس الجمهوريّة السبسي للدستور بالامتناع عن إمضاء قانون تعديل القانون الانتخابي..!!!
فلنذكّر من نسي.. أو تناسى.. أنّ مجردّ وجود شخص في تاريخ ومسيرة ورصيد الباجي قايد السبسي في منصب رئيس الجمهوريّة التونسيّة بعد 14 جانفي 2011.. هو في حدّ ذاته أكبر خرق لروح الدستور التونسي الجديد.. وللثورة.. وللديمقراطيّة.. ولدماء الشهداء..!!!
فعن أيّ خرق للدستور اليوم يتحدّث هؤلاء الذين طلعوا أصلا من رحم الباجي.. أو توافقوا معه..؟؟؟!!!
بلاد خرجت من نظام بوليسي بعد ثورة.. وأقرّت دستورا جديدا لبعث دولة مدنيّة ديمقراطيّة حرّة.. لتتخلّص من الديكتاتوريّة.. يقع تسييرها منذ سنوات كاملة في ظلّ حالة طوارئ تتجدّد آليّا طيلة أعوام..!!
ويطبّق رئيس حكومتها الأحكام العرفيّة والإجراءات الاستثنائيّة.. فيعتقل من يريد ويرميه بالسجن لأشهر بدون إذن قضائي أو محاكمة.. ويصادر أملاك من يريد بجرّة قلم.. بغير ضمانات محاكمة عادلة.. خارقا بذلك سلطة القضاء وحقوق المواطنين الدستوريّة.. وأهمها المبادئ الدستوريّة الخاصّة بالحريّة والحقّ في الملكيّة وضمان المحاكمة العادلة وحقّ الدفاع وعلويّة السلطة القضائيّة..!!!
ووزير الداخليّة يمارس سلطة منع الصحف من الصدور ضاربا المبدأ الدستوري بحريّة الإعلام والنشر والتعبير.. ويمنع آلاف المواطنين من السفر ويضع المئات تحت الاقامة الجبريّة طيلة سنوات كامل.. بمجرّد قرار أمني أحادي فرديّ.. مصادرا حقّهم الدستوري في حريّة التنقّل داخل وخارج البلاد..!!
مئات الأحكام القضائيّة الصادرة عن القضاء الإداري والعدلي.. ترفض الحكومة تنفيذها علنا وصراحة.. وتضرب بها عرض الحائط..!!
هيئة الحقيقة والكرامة المنصوص عليها دستوريّا وقعت محاصرتها.. ورفضت رئاسة الجمهوريّة والحكومة وأغلب البرلمان وعدد من الأحزاب الحاكمة التعامل معها.. بل وعمدوا إلى محاربتها بكلّ ضراوة.. بشكل قلّل من فاعليّتها.. وأفشل عموما تحقيقها الجانب الأكبر من مهامها وأهدافها.. وهم يرفضون اليوم إتمام آليّات العدالة الانتقاليّة بتعويض الضحايا ومحاسبة المجرمين والجلاّدين الرافضين للتسوية.. غير عابئين تماما بالدستور الذي كرّس العدالة الانتقاليّة وأنشأ هيئتها..!!!
هيآت دستوريّة أخرى عديدة.. أكثرها مجرّد هياكل ظاهرة.. ولكنّها جوفاء وغير فاعلة في باطنها..
السلطة التنفيذيّة ممثّلة في الحكومة ترفض تطبيق بطاقات قضائيّة بجلب متّهمين كبار ونافذين.. أو تنفيذ أحكام بالسجن عليهم.. وبعضهم يدخل قصور الرئاسة والحكومة وهم مفتّش عنه أمنيّا وقضائيّا.. ويتجوّلون بحريّة وعلنا بين التلفزات والاذاعات.. دون تطبيق القانون عليهم..!!
والدستور وقتها لا بواكي له..!!
بعض كبار مستشاري رئيس الحكومة متورّطين في قضايا فساد ويخضعون للمحاكمة.. ورغم ذلك فهم يعملون في أعلى هرم السلطة..!!
بل أنّ بعض المتهّمين في قضايا فساد.. عيّنوا في هيآت حكوميّة مزعومة لمكافحة الفساد..!!!!
فهل أنّ ذلك دستوريّ..؟؟!!
وما خفي كان أعظم.. بكثير..!!!
ورغم كلّ ذلك وأكثر.. يجدون الوقاحة ليلطموا اليوم خوفا على الدستور من أن يخدشه السبسي بعدم إمضاء قانون ليس دستوريّا أصلا بكلّ المقاييس.. رغما عن كلّ ما قد يقال عن دستوريّته المزعومة من باب محاولة التبرير ب”حماية الديمقراطيّة من التحيّل” ومن المال الفاسد الذي يعوم فيه أغلبهم.. ورغما عن حكم الهيئة الوقتيّة بدستوريّة القانون.. وهي نفس الهيئة التي كانت هي من أقرّت مثلا دستوريّة “قانون المصالحة” الذي عفا عن جميع كبار الفاسدين في الدولة زمن بن علي.. وأرجعهم معزّزين مكرّمين إلى المناصب العليا في الحكومة وفي الإدارة.. ليواصلوا مسيرة فسادهم من جديد بتنفيذ الأوامر غير القانونيّة لصالح الحكّام الجدد لتونس..!!!
ويوسف الشاهد الذي فصّل تعديل قانون الانتخابات على قياسه من أجل إقصاء نبيل القروي.. لا يقلّ في الحقيقة سوءا عن القروي نفسه..!!
والنهضة نفسها رفضت في البداية وبقرار من مكتبها التنفيذي قانون تعديلات القانون الانتخابي جملة وتفصيلا.. لاقرارها بعدم دستوريّته.. وبعدم لياقته سياسيّا وأخلاقيّا.. لكنّها سرعان ما تراجعت وساندته فجأة بعد أسبوعين.. استجابة لضغوطات ومناورات ومساومات تحت الطاولة..!!
رئيس الحكومة يوسف الشاهد وجماعته وحركة النهضة ومن معهم من أحزاب وسياسيّين.. لا يبغون من تعديل القانون الانتخابي حماية الدستور.. ولا الحفاظ على الديمقراطيّة.. ولا حماية الشعب القاصر من التغرير به “بحكّة طماطم وشكارة مقرونة” وبالمال السياسي الفاسد المجهول المصدر الآتي من الخارج..!!
ورئيس الجمهوريّة الباجي قايد السبسي إن امتنع عن إمضاء القانون.. فهو أيضا لا يبغي حماية الدستور.. ولا نزاهة الانتخابات.. ولا منع الإقصاء..!!
فلا التعديلات على القانون الانتخابي باقتراح من رئيس الحكومة هي دستوريّة..!!
ولا الامتناع عن إمضائها من رئيس الجمهورية هو دستوريّ..!!
الحقيقة أنّها مجرّد لعبة مصالح حزبيّة وشخصيّة وسياسيّة.. للمناورة والحرب.. من أجل الفوز بالسلطة.. ولا مبادئ فيها..!!
فهي صراع على تورتة الحكم.. وليست حماية للدستور..!!
لذا أبقوا الشعارات الرنّانة عن خطر خدش الدستور بعيدا.. وخوضوا صراعاتكم في صمت.. دون محاولة الضحك على ذقون الشعب التونسي..!!
•• (للتأكيد.. وفقط تجنّبا للتعاليق والنقاش خارج الموضوع.. رأيي الشخصي هو أنّ نبيل القروي هو شخص سيّء لا يصلح بتاتا لحكم تونس ليس كرئيس جمهوريّة أو حكومة.. وإنّما من أيّ منصب ولو كان كمجرّد وزير أو كاتب دولة أو نائبا في البرلمان.. وكذلك ألفة الترّاس.. ومن هم على شاكلتهما..
لذا فالرجاء توفير الآراء والتعاليق بكون معارضتنا لتنقيح القانون الانتخابي بطريقة انتقائيّة وغير دستوريّة في اجتهادنا الشخصي شهرين قبل الترشح للانتخابات.. وما يشكّله من خطر سابقة ستفتح باب خرق للدستور مستقبلا.. هو مرادف لدعم لنبيل القروي وعيش تونسي وغيرهما..!!) ••
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.