تدوينات لحرية الرأي وثقافة الحوار
صالح التيزاوي
عندما تسمع أولاد البؤس الثّقافي وهم يلوكون عبارات الإبداع والثّقافة والحداثة، يخيّل لمن لا يعرف حقيقتهم ولا علم له بدواخلهم أنّ الإبداع بدأ معهم وسينتهي بانتهائهم وأن لا أحد من الأوّلين والآخرين يفهم في الثّقافة مثلهم وأنّهم قطب الحداثة ومحورها…
وهم في واقع الأمر (بما أنّهم من عشّاق تعرية الواقع)، مجرّد “رهوط”، عارية من القيم، حافية من الإنتماء، ومعبّأة بالعقد والتّجارب الشّخصيّة المشحونة بالعنف والقسوة، يريدون فرضها على المجتمع باسم تعرية الواقع، لا يتورّعون عن تعرية أنفسهم بوجوه منزوعة الحياء وكأنّها قدّت من جلد غير آدمي…
في عرضها المسرحي الأخير “ولد شكون” بجهة صفاقس جميلة الشّيحي “تبدع” في قلّة الذّوق وفي هتك ستر الحياء أمام العائلات: إيحاءات جنسيّة بطريقة غرائزيّة مقزّزة، منزوعة من عالم الحيوان، كلام زايد، سخريّة من القيم وممّن لا يشاطرها فلسفتها في الحياة وفهمها القاصر لرسالة الفنّ ولأسلوب المبدع في نقد الواقع وتعريته..
ليس المطلوب من الفنّان أن يهادن الواقع وليس مطلوبا منه مجاراة العامّة وليس مطلوبا منه أن يتنازل عن حرّيته. ولكن دون إصرار بائس من أدعياء الثّقافة والفنّ على ربط الفنّ ورسالة المبدع بالوقاحة والجرأة على القيم بذريعة تعرية الواقع وكشف المستور والمسكوت عنه؟
نعم.. ما من شكّ أنّ الفنّ تعرية للواقع ولكنّه ليس تعرية للجسد وللجزء السّفلىّ منه أمام العائلات بإشارات جنسيّة فاضحة، الفنّ جرأة وليس وقاحة، الفنّ كسر للقيود وليس كسرا للقيم وللحياء، وهو فرجة ومتعة وليس تجريفا للأخلاق والقيم..
لم تتحمّل العائلات قسوة المشاهد وبذاءات الشّيحي وإسفافها وطريقتها المبتذلة في التّعبير، فغادرت العرض احتجاجا على إسرافه في الوقاحة وقلّة الحياء.. ومن العجيب أنّ تلك القلّة من أشباه الفنّانين يتلقّون الدّعم من الدّولة ليتقيّؤوا أمام العائلات ما يسمّونه فنّا، وليتعرّوا أمام العائلات على خشبة المسرح. ومن أعجب العجب أنّهم يتساءلون في غباء في تلك “البلاطوهات” التي اكتظّت بهم وبثرثرتهم والتي صنعت منهم نجوما فنّيّة: لماذا هجر النّاس والعائلات الفضاءات المسرحيّة؟ ويتساءلون عن أسباب تفشّي العنف في المجتمع!!
