عجز المطمور أم فساد البشر ؟
صالح التيزاوي
وصلتنا صور مؤلمة من جهات الشّمال والشّمال الغربي لأطنان من القمح كالجبال مكدّسة على قارعة الطّرقات عرضة لأوساخ الحيوانات وللأتربة، فيما بدا أنّه تقصير من وزارة الفلاحة ومن أجهزة الدّولة لتخزين صابة قياسيّة من القمح بعد سنة عانى فيها التّونسيّون كثيرا من فقدان مادّة “السّميد” وقد شهدت السّوق اضطرابا واضحا في التّزوّد بمادّة ضروريّة في غذائنا. فهل باتت تونس التي عرفت قديما بأنْها مطمور روما عاجزة عن تأمين غذاء أبنائها، وإن توفّر بفضل اللّه أضحت عاجزة عن ادّخاره في أعوام الوفرة لسنوات النّدرة كما حدث في العام الماضي؟
كلّ المؤشّرات كانت تشير إلى صابة قياسيّة في هذا العام بعد أن نزلت كمّيات كبيرة من الأمطار، فما الذي أخّر الإستعداد لاستيعاب كدّ الفلّاحين وعمل أيديهم؟ وأين هي الإحتياطات والتّدابير التي تحدّث عنها وزير الفلاحة ؟
لقد اندلعت الحرائق والتهمت كمّيات من المحاصيل، وما نجا من عبث أولاد الحرام أصبح عرضة للتّلف بسبب إهمال يرتقي إلى مستوى الجريمة. وهل لما يحصل لصابة القمح علاقة باللّوبيات التي احتكرت لسنوات توريد احتياجاتنا من مادّة القمح ومشتقّاته في سنوات القحط والجفاف؟
ليس مستبعدا أن تكون لوبيات الفساد الإقتصادي التي انتشرت في البلاد منذ مطلع السّبعينات واحتكرت المنافسة الحرّة وسيطرت سيطرة مطلقة على الإقتصاد، وراء ما يحدث حفاظا على مصالحهم ومكاسبهم وكأنّ التّوريد عند هؤلاء أصبح مقدّما على الأمن الغذائي للبلاد، حتّى صار لكلّ عائلة مجال نفوذها واحتكارها. ومن الغريب أنّ تلك اللّوبيات التي دأبت على احتكار السّوق وتوجيه الإنتاج والتّحكّم فيه، حسب مصالحها، تحرّكت على جناح السّرعة للرّدّ على ما اتّهمها به السّفير الأروبّي بتونس من فساد ولم تتحرّك لتأمين صابة القمح. يحدث ذلك وسط صمت من الحكومة وبطء في اتّخاذ الإجراءات العاجلة لإنقاذ صابة على أبواب التّلف، فيما لا قدّر اللّه لو داهمتنا الأمطار في مناخ أصبح شديد التّقلّب. مع أنّ التّوريد يكبّد الدّولة أموالا طائلة من العملة الصّعبة ويرتهنها للصّناديق المانحة. ألس الفلّاح أولى بتلك الأموال من أجل دعمه وتثمين جهوده؟ أو ليست التّنمية والتّشغيل أولى بتلك الأموال المهدورة في التّوريد؟
لقد أسمعت لو ناديت حيّا…
ولكن لا حياة لمن تنادي…