سيرك سقف الديون الأميركي مجددا
أحمد القاري
يقترب الدين الأميركي العام من 22 ترليونا وخمسمائة مليار دولار بعداد لا يفتر عن الحركة.
الحكومة الأميركية تستهلك أكثر من مداخيلها منذ عشرات السنين. وكلما اقتربت من سقف الدين المحدد من طرف الكونغريس باعتباره رقما لا يمكن تجاوزه يثار نقاش صاخب حول خطورة الدين واستحالة أدائه وعار تركه يتراكم على الأجيال القادمة.
السخرية في الموضوع هي التشابه الذي يقارب التطابق بين الخطب التي ألقيت قبل حوالي 40 سنة في الموضوع والخطب التي تلقى اليوم. الحجج تكاد تكون نفسها مع أن الدين تضاعف 22 مرة.
في كل مرة عرضت قضية سقف الديون على الكونغريس لرفعها كان النواب والشيوخ يتباكون على أميركا “على حافة الانهيار” ويعلنون رفضهم للانفاق غير المسؤول. ومطالبتهم بسياسات تمكن من تخفيض الديون بدل مراكمتها.
لكن في كل مرة كانوا يصوتون لرفع سقف الديون!
في مثل هذا اليوم من سنة 1980 كان الدين العام الأميركي في حدود 897 مليار دولار أي 0.9 تريليون تقريبا. ولم يتجاوز الدين العام حاجز تريليون دولار إلا في السنة الموالية 1981 في عهد الرئيس ريغان، الذين اعتمد سياسة التوسع في الإنفاق العام كأسلوب لهزيمة الاتحاد السوفياتي خاصة عبر برامج عسكرية مثل حرب النجوم. وبالإنفاق السخي على الثورات والانقلابات والحركات المعادية للبلدان التي كانت تدور في فلك السوفيات.
نجحت سياسة ريغان في إنهاك الاقتصاد السوفياتي ودفعه إلى حافة الانهيار. فبينما كانت الولايات المتحدة تتمتع باحتكار الدولار للمعاملات الدولية وإقبال معظم بلدان العالم على شرائه كان الروبل عملة محدودة الاستخدام.
كان الثمن باهظا. فقد تم رفع سقف الديون خلال حكم ريغان 16 مرة. وتضاعف حجم الديون ثلاث مرات. وكانت الولايات المتحدة قد أدمنت الانفاق أكثر من مداخيلها على برامج عسكرية منتشرة في عشرات البلدان وعلى حروب لا نهاية لها وأيضا على برامج تأمينات صحية ومساعدات اجتماعية تمتص المال كما تفعل الكثبان الرملية في الصحراء بقطرات المطر.
بعد ريغان كان الرؤساء يعبرون عن رغبتهم في السيطرة على الديون وينتهي بهم الأمر إلى مراكمة المزيد منها. أضاف جورج بوش الأب إلى الديون أكثر من تريليون ونصف تريليون دولار خلال فترة حكمه. واستفاد كلينتون من الرخاء الاقتصادي خلال عهده ليبطئ وتيرة تزايد الديون شيئا ما، لكنه أضاف خلال سنوات حكمه الثمان 1.396 تريليون دولار، أي أقل قليلا مما راكمه سابقه بوش الأب في أربع سنوات 1.554 تريليونا.
مع بوش الإبن ساهمت التخفيضات الضريبية الكبيرة وهجمات 11 شتمبر وما تبعها من حروب ثم الأزمة المالية العالمية سنة 2008 في أن يضيف 5.849 تريليون دولار إلى كرة الثلج المتنامية. أي أكثر مما أضافه كل الرؤساء السابقين له منذ إنشاء البنك المركزي الأميركي في نسخته الثالثة المسماة الاحتياطي الفدرالي سنة 1917.
ورغم كل الوعود التي قدمها أوباما بإحداث تغيير جوهري في طريقة تسيير الاقتصاد الأميركي فقد واصل نهج سابقيه وأضاف إلى كتلة الديون 8.588 تريليون دولار متفوقا على ما أضافه بوش الإبن وكلينتون وبوش الأب مجتمعين.
ثم جاء الرئيس دونالد ترامب. الرجل الذي يحب أن يلقب بملك الديون. وهو رجل أعمال قامت ثروته على الاقتراض وافلاس المشاريع وعلى المحافظة على غموض تام حول تصريحاته الضريبية ومداخيله الحقيقية.
لأول مرة يتولى الحكم رئيس لا يشير إلى الديون بأي تعبير سلبي. ولا يتوانى عن انتقاد الاحتياطي الفدرالي واتهامه بالإضرار بالاقتصاد الأميركي إذا عبر الاحتياطي في بياناته عن الرغبة في تخفيض عمليات التسهيل الكمي التي تساهم في رفع الديون الأميركية أو رفع سعر الفائدة قليلا لتعود إلى مستوياتها المتعارف عليها في اقتصاد العملات الأمرية، حيث تزيد نسبة الفوائد على 2 في المائة التي تعتبر رقم تضخم مقبولا ومطلوبا.
خفض ترامب والكونغريس الموالي له خلال السنتين الماضيتين الضرائب على الشركات ومستويات الدخل المرتفعة. مما خفض من مداخيل الخزينة الأميركية وجعل الحاجة لرفع سقف الديون ملحة قبل الوقت المرتقب لها.
وبما أن مجلس النواب تحت سيطرة الديمقراطيين وبما أن الصراع محتدم بين الحزبين بسبب خطاب الرئيس اللاذع لخصومه فيمكن أن نتوقع معركة شديدة في الكونغريس حول رفع سقف الديون. فهي فرصة للنواب والشيوخ لإحراج الرئيس ومساءلة سياسته.
فهل سيكون النقاش مرة أخرى استعراضا لمهارات النواب والشيوخ الخطابية وما يتوفرون عليه من أرقام ومعطيات تنتهي بهم إلى الموافقة على رفع سقف الديون لتستمر عجلة الانفاق المبني على العجز في الدوران ولتستمر حفلة الرخاء المصطنع في انتظار ساعة حساب عسير آتية يوما ما بدون ريب، أو أننا سنشهد وقفة صارمة لتقييم لعبة الديون المستمرة لأكثر من قرن وإحداث تغيير جوهري في سياسة أميركا بخصوصها؟
لنتابع ونر.