توفيق رمضان
للمرة السابعة (كم أصبحت اكره هذا الرقم الرمزي) على التوالي يفشل برلماننا «الموقر» في انتخاب أعضاء للمحكمة الدستورية بعد تأخير بأربع سنوات.
من المفترض أن تكون المحكمة الدستورية مكتملة التركيبة منذ أكتوبر 2015 أي بعد سنة من الانتخابات التشريعية في اكتوبر 2014 كما تم التنصيص عليه. إلا أن ذلك لم يحدث ربما القوم لهم حسابات أخرى غير حماية المسار الانتقالي والمحافظة على المناخ الديمقراطي الذي لا يكون إلا بضمان احترام الدستور كنص أعلى.
ما أرجع الحديث عن أهمية هذه الفريضة الغائبة هي الازمة الصحية التي تعرض لها رئيس الجمهورية مؤخرا والاختلاف الحاصل حول من له أهلية إقرار الشغور الوقتي أو النهائي طالما ان هيئة مراقبة دستورية القوانين لا تتمتع بهذا الاختصاص الذي بقي حصريا للمحكمة الدستورية.
عدم وصول الكتل البرلمانية إلى توافقات من شأنها التعجيل بانتخاب أربعة أعضاء حتى تفسح المجال لرئيس الجمهورية لاختيار اربع آخرين وكذلك للمجلس الاعلى للقضاء، هو الصراع الهووي الايديولوجي الذي بقي مسيطرا على المشهد في الوقت الذي ظن البعض أننا قفزنا عليه.
لب الخلاف هو الصراع بين كتلة النهضة وبين كتلة مشروع تونس، سيسأل البعض وما علاقة هذا بالمحكمة الدستورية؟ كتلة النهضة تعلم أن الاربعة أعضاء المعينين من رئيس الجمهورية سيكونون من التيار «الحداثي» وربما اربعة المجلس الاعلى للقضاء كذلك لا شيء «مضمون» لذلك تسعى إلى أن «تضمن» حيادية الاربعة اعضاء الذين سيقع انتخابهم في البرلمان او على الاقل قربهم منها وهو ما جعلها ترفض سناء بن عاشور. في المقابل ترفض الكتلة المقابلة أي مرشح تسانده النهضة أو لا تعترض عليه (العياشي الهمامي) ورغم انه مرشح الكتلة الديمقراطية ولا احد ينكر عليه صفة المناضل الحقوقي اليساري فإنه مرفوض من قبلهم بل سمعنا توصيفا جديدا له وهو «يساري اخوانجي» اتحفنا به البعض. إذا الخوف يسيطر على الفريقين خاصة مع وجود مشاريع قوانين لدى لجنة الحقوق والحريات الفردية، الغاء المنشور الذي كان يمنع زواج المسلمة من غير المسلم، منع النقاب في المؤسسات العمومية، الموقف من حكم الاعدام، المالية الاسلامية… التي ستكون محور طعون امام المحكمة الدستورية لاحقا سواء من هذا الفريق أو ذاك. فتنة المحكمة الدستورية سببها هذا الصراع الهووي بين شركاء في الحكم توافقوا قبلها عديد المرات (التصويت للحكومة، هيئة الانتخابات…). فما سل سيف في البرلمان إلا حول كل ماله علاقة (بالهوية والنمط المجتمعي).
البعض لم يقف عند هذا فقط، بل يصر على أن الصراع أصبح طبقيا أو فئويا بين «بلدية» و«عربان» أو بين أهل «الحضر» و«البدو» وهو ما يزيد المشكلة إلا تعقيدا فالعياشي الهمامي «البدوي» لا يجوز له أن يكون ضمن المحكمة الدستوية التي من المفترض أن يدخلها أبناء الذوات والبلدية فقط فهو فخر لا بد أن لا ينازعهم فيه أحد. رغم هشاشة المنجز الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي ظل الائتلاف الحكومي يتباهى بالدستور كاهم منجز ودور التوافق في حماية المناخ الديمقراطي، إلا ان عجزهم طيلة أربع سنوات على تركيز أهم مؤسسة دستورية كشف توافقهم المغشوش ونياتهم «المڨعمزة» ولتوصيف العلاقات بين مكونات الائتلاف الحاكم أستحضر مثلا شعبيا يقول «الفارس ناوي المحفل والحصان ناوي السدرة».
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.