علي بن مكشر
مِنَ الصّعْب جدّا أن تكون عمّيِ و لا تُفْسِدُ حيَاتي.. كلّما خَلوْتُ بنفسي لمعتْ عيناكَ تَرْمُقني، بهُدُوء، مُفْزع.. لازالت حكاية ذلك الرجل، تبعث القشعريرة بجلدي كلما ذكرتها وحيدا.. قال، كان عَمُّك شديدَ الأُنْسِ بالوحدة، دائما ما يعتزل رفاق البادية، ويَسْكُنُ للشِّعْبِ ويستوحشُ من الشَّعْب.
ذاتَ لَيْلةٍ أردت تَرْويعه، فقررتُ أنْ أفْجَأَهُ، وكان الظلام يدثِّر الصحراءَ، و صمتٌ مطبقٌ، فلا حياةَ. يقول: كان عمُّكَ من طبعه الإقتصاد ُ في النّارِ، فلا يمكن الاستدلال عليه بها، و لا يمكن أن تحجبَ عليه الظلامَ، الذي اعتادَهُ بصرُهُ، فقررتُ السير إليه حافيا فوق الرمل الناعم، فلا تُحْدِثُ قدمايَ أيّ صوت… قصدت مكانه، وكان مسيرةَ ساعاتٍ، حتى اقتربتُ منه، رأيت ضوءا خافتا، لنارٍ متواضعة جدا، بدأت المَشْيَ على أطرافِ أصابعي، كتمتُ نَفَسِي، اقتربت لمسافة بسيطة، وفجأة، تكلم دون أن يلتفت:
“إنْتَ جِيتْ يَا بُو كِدْوارة ؟”..
انتفضتُ من الرعب، فقد كُنْتُ أود أن أُفْزِعَه، ودون أن يلتفت، عرفني وناداني باسمي.. لقد بتُّ ليلتي عنده، وفرائصِي، لم تتوقف عن الارتجاف…
أنا الآن هنا، في كلّ زُقَاقٍ أراكَ يا عمّيِ، أسمعك جيدا، نفسُ الكلمة ترددها: ماذا تفعل هُناَ ؟
• أحاول أن أعيش يا عمِّي.
• وَوطنُك ؟ أليسَ به سعةٌ ؟
• كل الأرض وطني فالأرض كلها لله.
• كلام مخادع يا ابن اخي، وإلا لمَ قاتلتُ الغازي بالسلاح ؟ هل كنتُ على خطأ ؟
• لا أبدا يا عمي، لكنه لم يخرج إلا شكلا، واختلطنا معه، بل وأصبح مرعوبا منا ويتهمنا باحتلاله.. ونحن لازلنا كما كنّا، مستضعفون في أرضنا وأرضه..
• وَلِمَ تركتَ البادية والحرية ؟
• لستُ في جَلَدِكَ يا عمّاه، استهوتني المدن، وأضعتُ تقاسيم وجهي… حاولت أن اعتبر نفسي مواطنا عالميّا، لكن في المرآة صباحًا، أرى ملامح عروبتي تقاوم الموت والذوبان… كان عمي في كل مرة يرمقني من بعيد، يحاورني ويبتعد.. كأنه لم يقل شيئا..
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.