توفيق رمضان
تعطينا شركات سبر الآراء كل يوم أرقاما جديدة حول نوايا التصويت وحظوظ الأحزاب والشخصيات رغم الاعتقاد الراسخ بأن عمليات سبر الأراء هذه موجهة وتخضع لعديد الإملاءات ورهينة تمويلات مشبوهة ومال سياسي فاسد، لذلك يصعد من يصعد وينزل من ينزل في الترتيب حسب طالب عملية السبر وحسب المصالح المراد تحقيقها، تبقى الأرقام جديرة بالقراءة للاستئناس بها.
بعيدا عن الأرقام المسندة للأحزاب وترتيبها ما يلفت الانتباه هو ارتفاع عدد العازفين أي الرافضين للذهاب لمكاتب الاقتراع لانهم لا يملكون أي فكرة عمن سينال ثقتهم، لا يعرفون لمن سيصوتون ويغيب الخيار أمامهم لذلك سيكتفون بالصمت وسيكونون الأغلبية الصامتة على رأي احدهم وهو ما يفسر نسبة العزوف المرتفعة لدى الشباب خاصة.
للعزوف اسباب عدة :
• هناك من لم يقتنع بأي حزب ولم يعجب بأي برنامج وفقد الثقة والأمل في قابلية هذا البلد للتغير، بل تراه يسب الشعب «المغفل» و«الجاهل» الغير مستوعب لقيمة ما أنجزه، بل يصل به الحد إلى سب الثورة والديمقراطية التي يرى أن الشعب غير جدير بها ولا يحسن التعامل معها والدليل ما نراه في البلاتوات من خلافات وخصومات ايديولوجية يومية وما يصحبها من حملات للتشويه الذي يصل أحيانا إلى العنف المادي، زيادة على من يقول ماذا ربحنا من الثورة غير الغلاء والارهاب وكثرة السراق وضياع هيبة الدولة.
• هناك من يرى أن المشهد السياسي تتحكم فيه قوى خارجية وبالتالي صوته لن يغير في الأمر شيئا وأن العملية الانتخابية بأسرها هي مضيعة للوقت وعبث طفولي لأن الأحزاب متشابهة وهي تتنافس من أجل تقديم فروض الولاء والطاعة للخارج وبالتالي فإن الاختيار سيكون بين عملاء وبين سيئ وأسوأ.
• هناك من هو مناصر لحزب او مسار كامل يرى أن بعض الأحزاب قادرة على المضي فيه مجتمعة لكنه يراها غير قادرة على المنافسة في ظل محدودية الامكانات المادية، وغياب الوعي لدى الناخب الذي يمكن إما شراء صوته أو توجيهه والتأثير عليه وبالتالي سيذهب صوته ومجهوده هدرا في ظل تشتت المعارضة وأنصار المسار الثوري.
إن ارتفاع عدد العازفيين يخدم مصالح الأحزاب الحاكمة الآن أو تلك الصاعدة بفعل القوة المالية لان كلاهما سيوظف إما مؤسسات الدولة أو المال لخدمة مصالحهما الانتخابية وذلك إما بالترغيب أو بالترهيب.
رغم اختلاف المواقف والمقاربات من المشهد السياسي في بلادنا فإن النتائج واحدة وهي عزوف الشباب الواعي الذي يملك حدا أدنى من آليات التقييم، هو ما يمكن الأحزاب ذات الرصيد الانتخابي الثابت من تصدر المشهد بالرغم من محصلتها الكارثية وفشلها الذريع في إدارة المرحلة وعجزها عن تحقيق مطالب الثورة، بل التنكر لها احيانا، فقط لأن القادر على قراءة المشهد وتقييم الأداء الحكومي ولعب دور المثقف العضوي يأبى المشاركة ولا يريد ان يلامس إصبعه حبر الانتخابات ليطهر البلاد من نجاسة من دنسوا محراب الثورة.
إن فقدان الثقة والامل في امكانية التغيير وفي بناء تونس الممكنة، تونس كما حلمنا بها هو ما عملت السلطة الحاكمة على تجذيره حتى تترسخ القناعة بانه لا يمكن احسن مما كان.
إن فشل من حكموا بعد الثورة والوضع المتازم الذي اوصلونا اليه لا يعالج بالصمت والهروب والانكفاء في الزاوية ولعن السياسة والسياسيين، إنما يعالج بذلك القرار بالذهاب إلى مكاتب الاقتراع واختيار من تراه الأصلح للبلد… لا تستهن بصوتك الذي يمكن أن يغير مسارا بأكمله.. وربما يساهم في كتابة تاريخ جديد.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.