زهير إسماعيل
قلنا إنّ الحرية مضادّ حيوي للقديم. والقديم كما يكون “النمط” وواجهاته السياسية من أحزاب ولوبيات ومال سياسي ومافيا وشبكة إعلام، يكون أيضا “سلوكا سياسيا” يظهر في الضيق بالرأي المخالف وأولويّة المصلحة الحزبية على المصلحة العامة والعجز عن بناء المشترك. وبهذا المعنى يكون القديم موجودا بنسب مختلفة فينا جميعا.
الأزمات والتحديات الكبرى موسومة بالسلب لما تمثّله من خطر وتهديد، ولكن وجهها الآخر هو أنها تمكننا من أن ننظر إلى أنفسنا من خارج أنفسنا، فكأننا ننفصل عنّا لنرى صورتنا بأكثر وضوح وأكثر موضوعية.
يوم الخميس الفارط كان مناسبة لنرى صورتنا بوضوح. صورتنا في ذاتها، وصورتنا مقارنة بما حولنا.
فنكتشف أننا ديمقراطية بصدد البناء نقلق لمرض رئيس الجمهورية المنتخب، ويكون دعاء الديمقراطيين له بالشفاء ألحَّ وأصدقَ، وباقات ورد المنافسين ورجاؤهم له بالشفاء أبلغَ من كلّ سجال. ونحزن لاستشهاد أحد أبناء المؤسسة الأمنية ونسير في جنازته ونألم لجرحاها، ونسعد لتخبّط الإرهاب اليائس وضحالة صانعيه ومؤشرات اندحارهم.
نكتشف أنّ بعض الأصوات الناعقة في الإعلام المأجور (كذبة الانقلاب) فقدتْ تأثيرها الواسع وبات بعضها أقربَ إلى النشاز. ويبدو أنها لم تدرك أنّ شروط “تلقي أكاذيبها” وتسميمها الأجواء تتغيّر قُدماً.
نكتشف أنّ مستوى من الوعي الجمعي يواصل تشكّله في سياق الانتقال، وأنه يتّجه ليكون أساس المشترك الوطني المنشود.
نكتشف أنّنا لم نُنه “العركة السياسية”، وأنّ تواصلها هو السبب الأقوى الذي جعل من كل الحكومات المتعاقبة حكومات تصريف أعمال.
وأنّ الشروع في التنمية مشروط بتوافق سياسي حقيقي انطلقنا به في 2011 تحت عنوان التأسيس، ولكننا انقلبنا عليه باسم الحوار الوطني لننتهي إلى “تسوية سياسية” بين الحزبين الأقوى سُمّيت بدون وجه حق “توافقا”.
وأنّ “توافق التأسيس” في أكتوبر 2011 لو توسّعت قاعدة الحكم فيه لتشمل كلّ الطيف الثوري والمؤمنين بالديمقراطية وتحقَّق الاستقرار السياسي الإيجابي لبلغت أعلى نسب النمو الكفيلة بامتصاص البطالة وتحسين جودة العيش ورأب الصدع الاجتماعي المتواصل.
نكتشف أنّه بالإمكان إقامة التوازن السياسي الذي تتطلبه الديمقراطية من داخل المنظومة الديمقراطية وبأدواتها. وأنّ الانقلاب على الاختيار الحر (نموذج السيسي وحفتر برعاية بن زايد وبن سلمان) مَفْسدَةٌ مُطلَقةٌ، وإجهاضُ المسار جريمةٌ بحجم وطن وحجم الجهد والدماء وما بذل لعقود طويلة من أجل الحريّة وهوائها العطر.
لا يوجد وجه واحد لمشهدنا، ولكن لا خلاف في أنّ هذا أحد أوجهه.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.