تدوينات تونسية

سايكس بيكو وبافلوف

فتحي الشوك

أرضية خضراء بخطوط بيضاء، صفارة تدوّي من حكم بعد أن تفقّد أوراقه الصّفراء والحمراء وسلامة الشّباك العذراء، لتنطلق المباراة وتركض الأرجل وهي تدكّ الأرضية بحوافرها وتلهج الأنفس بلا انقطاع ويهيج الجميع وتتعالى الصّيحات في الأجواء.
الكلّ يطارد خرقة من جلد منفوخة بالهواء، اضرب، اقذف، سجّل: هدف.. هدف… ليتقافز الجميع وتطلق الشّماريخ وتبحّ الحناجر في لحظة جنون منفلتة وفرحة متمنّعة مفتعلة، تحقّقت كلّ الأهداف في ساحات اللّعب إلاّ الّتي يجب أن تتحقّق ساعة الجدّ، حبّة انتصارات للتّخدير في زمن الهزائم و الانكسارات.
تنفيس، تحويل لكبت مضغوط عن طريق جلد مدوّر مضغوط، كم هي ساحرة تلك الكرة وكم هو شديد أثر فعلها؟ قيل لنا في مدارج تحصيلنا أنّ الخريطة الطوبوغرافية للدّماغ العادي تبرز فيها يد الإنسان ويبدو أنّها عوّضت في حالة إنساننا المشوّه بتلك “الجلدة” القابلة للتمطّط والّتي طورا تتّخذ شكل كرة وأخرى شكل عضو تناسلي.
“جلدة” قد تنفلق في أيّة لحظة ليحدث فيضان للأدرنالين وتتمّ الاستثارة القصوى ويحصل الانفلات وربّما هيجانا وانفجارا.
تحررّ غول فراغنا من قمقم ضياعنا كقنبلة صوتيّة تستعمل لهشّ القطيع، “حمر مستنفرة فرّت من قسورة”.
هو زمن اللّهث وراء السّراب، لم ينقشع بعد الضّباب بل هو في طور التكثّف والاشتداد لنمارس عبثيّتنا السّوداء، ذاك ما يراد.
استنفار واستثارة للبطون وما تحتها وردّ فعل غريزي مضبوط حسبما يطلبون، تبّا لك يا كلب بافلوف كم هو مؤثّر فعلك فينا في زمن الكلاب..
زمن تمزّقنا فيه الفرقة ونختلف فيه لعبا بعد أن استحال لقاء الجدّ. زمن لم نقدر فيه على رصد موحّد للهلال ولم تجمعنا سوى المآسي والأحزان.
تبّا لسايكس بيكو وتبّا لأصحاب الجلالة والفخامة وتبّا لجمهور تفرّقه عصا وتجمعه القمامة.
ليس مهمّا، المهمّ أنّنا نتنفّس، نقتات الفتات ونتغوّط ونطلق الرّيح وفي أقصى الحالات بعض الشّماريخ في إحدى مناسبات انتصاراتنا الكبرى ونحن نلهو ونلهث وراء جلد منفوخ، ذاك أقصى ومنتهى فعلنا كبعض المخلّفات الملوّثة لهامش التّاريخ.
قيل لي كيف يمكن أن تكون باردا ومحايدا في صراعات “الوطن” والفريق؟ هي معركة شرف وهيبة وطن ألست وطنيّا ؟ يبدو كذلك وبعضنا من الغرباء لم يطعّموا بجرعة كافية من الوطنجية المزعومة و”الرّجولة” الزّائفة، ليتني أرى لها أثرا حين الجدّ.
تبّا لتلك “الجلدة” المستوطنة للعقول، لتتكرّر الكذبة ويستمرّ الدّجل وتحويل الوجهة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock