الرّبيع المدنيّ قادم
سامي براهم
أذكر أحد الأساتذة الذين درّسوني الحضارة القديمة وكان ماديّا تاريخيّا في منهجه لدراسة حراك التّاريخ، وفي تفسيره لعدم تحوّل العالم الإسلامي عموما والعربي على وجه الخصوص من المرحلة الإقطاعيّة إلى البرجوازيّة الرّاسماليّة حسب ما تقتضيه النظريّة “ديالكتيك التّاريخ” الطّابع الخاصّ للإقطاع الذي كان إقطاعا عسكريّا حيث كان الخلفاء يقطعون العسكر أراضي ساهمت في إنشاء حكم عسكريّ مواز للحكم المدني “غير العسكريّ” ذي الطّابع الدّيني.
وبقطع النّظر عن استقامة هذا التّفسير ومآلاته “اختراع مقولة نمط الإنتاج الآسيوي أو نمط شبه شبه الذي لا يتغيّر من داخله” فإنّه يبرز نكبة العالم العربي والإسلامي مع العسكر منذ عصور الانحطاط والتي امتدّت في العصر الحديث مع أنظمة ما بعد الاستقلالات الوطنيّة على امتداد دول المنطقة مع استثناءات قليلة لعلّ أبرزها تونس التي بقيت بمنأى عن تسييس الجيش وتجييش السّياسة ربّما لخصوصية المسار الإصلاحي الذي عرفته تونس منذ خير الدّين باشا وربّما للطّابع المدني الصّرف الذي عرفته دولة ما بعد الاستقلال على خلاف تجارب انقلب فيها العسكر وأطلق على انقلاباته ثورات كانت منطلقا لحياة سياسيّة وحزبيّة يرسم العسكر حدودها وخطوطها الحمراء وسياساتها العامّة…
لم يكتف الجيش في عدد من الدّول بالسيطرة على السّلطة السياسيّة ومؤسسات الدّولة بل أصبح مستثمرا اقتصاديّا وصاحب أسهم في المشاريع والاستثمارات والاستيراد والتصدير بل قد يحتكر عددا من القطاعات الحيويّة للإثراء ولإحكام قبضته على الحياة السياسيّة…
في ظلّ هذا الوضع المعقّد من التداخل بين الجيش والشّأن العام بكلّ مجالاته وتفرّعاته تحتاج المنطقة إلى تضحيات أكبر وصمود أقوى لتمدين الحياة السياسيّة وتحصينها من العسكرة من أجل ربيع مدني بصدد التشكّل رغم ثقل التّراث السياسي العسكريّ للحياة السياسيّة في أوطاننا.