حارس العمارة
أحمد القاري
في عمارتنا شقق كثيرة. لذلك احتجنا دائما لتنسيق الخدمات وتدبير المساحات المشتركة.
وهي مهمة عسيرة.
كونا مكتبا وانتخبنا رئيسا لإدارة العمارة من بين السكان. وجمعنا المال من اشتراكات شهرية رتبناها على كل شقة.
من المال ندفع مصاريف كهرباء الإنارة والمصاعد والإصلاحات اللازمة. شغلنا منظفين لتكون السلالم والبهو السفلي والقبو والسطح نظيفة دائما. ثم تبين أننا مثل كل العمارات المجاورة يجب أن نشغل حارسا لنكون في أمان من المتسللين واللصوص.
شغلنا حارسا. وبناء على اقتراحه ثبتنا كامرات مراقبة. وقبلنا أن يشغل أبناءه مساعدين له. واشترينا له عصيا وصاعقا كهربائيا ليدافع به عن نفسه عند الحاجة. وكلبا شرسا. ثم كلبا لكل واحد من أبنائه.
قام الحارس بتوعيتنا بأن الأمان ضروري وأنه يجب أن يقدم على كافة الأمور الأخرى في ميزانية العمارة.
من خلال الكامرات تمكن الحارس من ضبط أي مخالفة قانونية أو أخلاقية يقوم بها السكان. وكان يبلغ المتضررين على انفراد بما يلاحظه. مما وتر العلاقات بيننا بسبب أخلاقنا السيئة.
كان أيضا يتصل بالمخالفين ويهددهم بفضحهم إن لم يتعاونوا مع سياسته الأمنية الصارمة وإن لم يبلغوه بما يطلعون عليه من مخالفات الأخرين حتى يتمكن من فرض سلوك لائق في العمارة.
أصبحنا نخاف من الحارس ونقدم له الهدايا ونعبر له عن ولائنا. وكبادرة حسن نية كان يشغل الصاعق الكهربائي أمامنا ويحرش الكلاب لتنبح في وجوهنا لنعرف أن سلطة الحراسة فوق كل اعتبار.
ذات يوم حضر الحارس لاجتماع إدارة العمارة فرحبنا به وأفسحنا له مكانا إلى جانب رئيس المكتب.
تزايد تدخل الحارس للوساطة بيننا فخلافاتنا كانت كثيرة.
أصبح يدير الاجتماعات ويحدد القرارات المناسبة.
وذات يوم اشتد الخلاف بيننا بسبب حقائق بلغنا بها الحارس كل على حدة. تقاتلنا بالكراسي وحطمنا أثاث غرفة الاجتماعات قبل أن يشغل الحارس صاعقه الكهربائي ويطردنا جميعا من الغرفة.
أعلن الحارس حل مكتب إدارة العمارة وتوليه كافة المسؤوليات بمساعدة أبنائه. رحب معظمنا بالقرار لشدة حنقنا على الرئيس السابق. وأعلنا ولاءنا للحارس لما عهدناه فيه من انضباط.
وضع الحارس نظاما للدخول والخروج. لم يعد الأمر فوضى. حدد لنا وقتا لا نتأخر عنه في الليل. ومنعنا من استقبال الضيوف دون إذنه.
كل أسبوع كان يجمعنا ويلقي علينا خطبة حول خطورة الفوضى، ومحاولات عمارات مجاورة دس متسللين وحاجته لأموال إضافية ليحبط كل المؤامرات الخارجية.
ومن حين لآخر أصبح يستجوب بعض السكان ويعلن اكتشاف محاولات داخلية للتشويش على الأمن وبث الفوضى. وخصص نصف المرآب لسجن المخالفين وتعذيبهم.
أصبحنا نعيش في خوف. لكن أغلبنا برر الأمر قائلين إن حالنا أفضل من حال بعض العمارات المجاورة حسب ما يحكي لنا أبناء الحارس. وخاصة ابنه المكلف بإخبارنا كل مساء بما يدور في الحي.
انتقل الحارس لتنظيم حياتنا داخل البيوت. طلب منا تسليمه رواتبنا. ووضع كل أموالنا أمانات عنده. والمساهمة في مشاريع يقوم بها لفائدتنا.
ووزع علينا صوره بثوبه النظامي الجديد المرصع بنياشين تؤرخ لإنجازاته. وصورا له وهو يدرب أبناءه على الفنون القتالية للتصدي لأي محاولة اعتداء خارجي أو مؤامرة داخلية. واقترح علينا تعليق الصور في بيوتنا وتعليم أبنائنا قيمة الحارس ودوره الجوهري في سعادتنا.
وسط كل هذا الاستقرار أصبح البعض يتهامس بضرورة المقاومة والثورة على الحارس للعودة لعهد ما قبل ما يسمونه “انقلابا”. إنهم حمقى ومغرر بهم. وسنبلغ الحارس بأسمائهم جميعا. سنفشل المؤامرة الكونية على حارسنا العظيم.