“.. اللّه أحد .. اللّه أحد .. وعبير ما كيفها حدّ..”..!!!
عبد اللّطيف درباله
لعلّ عبير موسي تحلم اليوم بأن يُغَنّى لها هكذا تطبيلا.. بعد أن كانت هي من تقوم بالغناء والتطبيل بصوتها الشجيّ لسيّدها ومعبودها زين العابدين بن علي.. “اللّه أحد .. اللّه أحد .. وبن علي ما كيفه حدّ..”..
عبير موسي كانت مجرّد كومبارس تطبيلي في الصفّ الرابع أو الخامس لنظام السّابع من نوفمبر..
ولم تكن تحلم زمن معبودها بن عليّ بأكثر من أن تحظى بدعوة في مناسبة عامّة يحضرها سيّدها الزّين أو سيّدتها ليلى.. وذلك ضمن مئات الحضور الذين تزيّن بهم قاعات الإجتماعات الاستعراضيّة للمافيا الحاكمة السّابقة..
وكان أقصى طموح عبير هو مجرّد أن يعرف بن عليّ إسمها ولقبها..
وكانت أكبر أحلامها السياسيّة أن تأخذ منصبا صغيرا في التجمّع الدّستوري الدّيمقراطي.. أو في توابع المؤسّسات الحكوميّة.. فتشعر أنّها “شيئا” في البلاد..
منتفخة بصعود نسبي في استطلاعات الرأي حول نوايا التّصويت في الإنتخابات القادمة.. تنتشي عبير موسي يوما بعد يوم.. وتتوسّع في خطابها الفاشستي والعدائيّ الذي جمع حولها أنصارا ومريدين.. هم عادة نسبة عاديّة في المجتمع يجذبهم خطاب الكراهيّة والبغضاء والعداوة.. ويوجد أمثالهم في كلّ دولة من الولايات المتحّدة الأمريكيّة إلى أوربّا وأستراليا..
تحلم عبير موسي اليّوم بأن تصل إلى الحكم في تونس.. وأن تمسك السّلطة.. لتعيد لنا “أمجاد العهد النوفمبري” الذي تقدّسه.. وتتوهّم زيفا وجهلا بأنّه فعلا كان إنجازا يذكر.. والحال أنّه لم يكن في الحقيقة شيئا ذي قيمة في تاريخ الدّول الحرّة والأمم المتقدّمة..
عبير موسي لم تظهر أيّ فكر..
ولم تعبّر عن أيّ رؤية للدولة..
ولم تقدّم في خطاباتها حتّى الآن أيّ مشروع بناء متنوّر لتونس الغد..
وهي مرشّحة ليس لها أيّ برنامج سياسي ولا إقتصادي ولا معرفي ولا إجتماعي ولا ثقّافي يذكر..
ولكنّ برنامجها الوحيد مبنيّ على معادلة التضادّ.. وعلى الكراهيّة.. وعلى العداء الإيديولوجي.. وعلى الحنين المغشوش لماضي غير سويّ أصلا..
مستفيدة من البروباغندا والحملات السياسيّة والإعلاميّة المشوّهة للثّورة طيلة تسع سنوات..
ومستفيدة من فشل المنظومات والأحزاب والشخصيّات السياسيّة المختلفة الحاكمة المتعاقبة منذ سنة 2011..
ومستفيدة من مشاعر الحنين الآليّة للقديم “المعروف والمضمون” ولو في حدّه الأدنى.. كلّما شعر النّاس بالخيبة من الحاضر.. والخوف من المستقبل..
ومستفيدة من دعم إعلامي وسياسي ومالي.. ومن مساندة لوبيّات داخليّة وقوى أجنبيّة.. لا تؤمن بالثّورة ولا بالدّيمقراطيّة وتسعى لتكريس الديكتاتوريّة بتونس كنظام حكم أبدي..
ومستفيدة من الحقد الإيديولوجي الذي غرسه بن عليّ في وجدان جانب كبير من الشّعب التونسي طوال ربع قرن ضدّ الإسلاميّين.. حتّى أصبح هؤلاء المصابين به يثمّنون كلّ شخص أو حزب.. ولو كان ليس له أيّ برنامج سياسي.. طالما هدف للقضاء على “خصمهم” الذي يمقتونه..
ومستفيدة من الفراغ السياسي المّريع.. حيث لا أحزاب إيجابيّة كبرى وحيويّة مؤثّرة.. ولا شخصيّات سياسيّة ديناميكيّة متنوّرة وطاغية.. ولا برامج فكريّة مستقبليّة للدّولة لدى أيّ طرف من اليمين إلى اليسار.. ولا مشروع وطني واضح وطموح وشامل ومتكامل عند أيّ حزب أو شخصيّة سياسيّة حاليّا..
مستفيدة من كلّ ذلك.. برزت عبير موسي فجأة كرقم صغير في السّاحة السياسيّة على أعتاب الإنتخابات القّادمة.. تماما كما تبرز الحشائش الطفيليّة ذات الأشواك فجأة في الصّحراء القاحلة الجافّة.. فيراها البعض على ضررها وقبحها وانعدام فائدتها.. كخضرة يانعة وسط الفراغ والجفاف والأتربة الموحشة..
عبير موسي هي مجرّد نتاج للتصحّر السياسي في تونس..
ولفشل وفراغ وضعف الطبقة السياسيّة في بلادنا اليوم.. ولفساد الإعلام..
ولتواطئ وتردّي النخبة المفكّرة والمثقّفة..
ولتلاعب مراكز قوى وتأثير داخليّة وخارجيّة بعقول التونسيّين ووعيهم..
والأهمّ من ذلك.. فإنّ ظاهرة عبير موسي هي نتاج طبيعيّ لسنوات من التجهيل المعرفي.. والتسطيح الفكري.. والعدميّة السياسيّة.. التي شكّلت بها الأنظمة الديكتاتوريّة في تونس.. عمدا وقصدا.. الوعي والإدراك السياسي للمواطن التونسي..
إنّها البذرة السيّئة التي غرسها النظام البوليسي المستبدّ في كيان وروح وعقل الشعب التونسي طيلة خمسين سنة..