تدوينات تونسية

المال الفاسد ثمنا للسّلطة الفاسدة.. !!!

عبد اللّطيف درباله
الفساد بعد الثورة في تونس.. وخاصّة خلال الثلاث سنوات الأخيرة.. بلغ حجما لا يصدّقه عقل..!!
ولو ألّفنا كتابا عن الفساد في تونس اليوم لبلغ حجمه مجلّد “لاروس” الأصلي..!!
ولو أصدرنا جريدة لا تنشر إلاّ أخبار وأسرار وخفايا قضايا الفساد الجارية فقط.. لبلغ حجمها 32 صفحة من الحجم الكبير أسبوعيّا.. دون أن تحيط مع ذلك بكلّ ما يحدث من فساد على أرض الوطن اليوم..!!
في كلّ يوم تسمع أخبارا وتفاصيل قضايا فساد صادمة ومدهشة بالملايين.. تمثّل نزيفا حادّا لخزينة الدّولة.. وتزيد في النهاية في إثقال كاهل المواطن العادي.. وتضيّق عليه في معيشته.. لأنّ المواطن هو من يدفع في كلّ الحالات خسائر الدولة المقدّرة بآلاف ملايين الدّينارات جرّاء الفساد والسّرقات..
فما تخسره الحكومات بسكوتها عن الفساد.. وأحيانا بتواطئها.. توظّف به لاحقا معاليم وضرائب وزيادات في الأسعار ورفع لدعم السّلع الأساسيّة.. وذلك لتعويض أموال الميزانيّة المهدورة التي تصبّ كشلاّلات في جيوب قلّة من الفاسدين الذّين عرفوا من أين تؤكل كتف “لحمة” أموال الحكومة ودافعي الضرائب..
ولعلّ البّعض يتذكّر التقرير الشهير للجنة التحقيق في قضايا الفساد في عهد بن علي.. والذي أصدرته اللّجنة برئاسة عبد الفتّاح عمر.. بعد الثورة.. في كتاب ضخم..
الحقيقة أنّ كتاب الفساد اليوم أصبح أكثر ضخامة.. وأكثر هولا..!!
وكلّ ما يفضحه ويقوله بعض السياسيّين والنّواب وقلّة من الإعلاميّين عن قضايا الفساد الدّائرة بتونس اليوم.. لا يعكس برغم هوله.. إلاّ نسبة واحد بالمائة فقط من حقيقة الواقع الآن..!!
فالظاهر من الفساد اليوم في تونس هو فقط قمّة جبل الجليد.. وما هو خفيّ في الأعماق أكبر وأضخم كثيرا.. لكنّ الناس لا يعرفون..!!!
وبالإضافة إلى الكثير من الفاسدين السابقين قبل 2011.. الذين تمعّشوا أيضا وبدورهم من النظام السياسي الجديد بعد 2011.. إثر فترة سكون واضطراب وخوف في الأشهر الأولى بعد الثورة توجّسا وتحسّبا من فتح ملفاتهم السابقة ومحاسبتهم على فسادهم مع نظام بن علي وعائلته الحاكمة..
هناك أيضا فئة من الأثرياء الجدد تضمّ رجال أعمال وسياسيّين ومسؤولين نافذين في الدولة كوّنوا ثروات مهولة في وقت قياسيّ قصير.. فقط بفضل التلاعب ونهب أموال الدّولة بطرق مختلفة تظهر في ظاهرها كتجارة أو ممارسة للأعمال.. وفي باطنها سرقة صريحة وفجّة للمال العامّ.. وتحويل لوجهة الأموال والثروات الوطنيّة من جيب الدّولة إلى جيب الفاسدين..!!
وأصبحت أفضل تجارة مربحة جدّا اليوم هي عمل صفقات مع الدولة بتسهيل وتواطئ من أشخاص متنفّذين فيها.. وسرقة الدّولة بطريقة مغلّفة ومكتومة وقانونيّة في ظاهرها..!!
لعلّ أفضل حماية للفاسدين.. هي ربطهم لعلاقات مصالح وتبادل منافع مع بعض كبار الشخصيّات من رجال الدّولة.. وتمتيعهم بجزء من حصيلة المال الفاسد المنهوب.. مقابل الحصول منهم على الصفقات والتسهيلات والفرص والحماية وغضّ البصر..!!!
أمّا طريقة حماية الفاسدين الأخرى لأنفسهم.. فتكمن في دخولهم في الأحزاب الحاكمة أو القريبة من الحكم.. أو في تمويلها.. وملأ خزينتها بنسبة من المال المسلوب من الدّولة.. لتمكين أولئك السياسيّن الفاسدين من البقاء في السّلطة.. أو مساعدة قادة تلك الأحزاب على النجاح في الانتخابات للوصول إلى الحكم والإمساك بالسّلطة.. بما يضمن به الفاسدون الحماية من جهة.. ويضمنون لأنفسهم به المزيد من صفقات الفساد من جهة ثانية..
لتكون بذلك المعادلة هي “المال مقابل السّلطة”..!!
أو بالأحرى: “دفع المال الفاسد مقابل التمتّع بالسلطة الفاسدة”..!!!
وهي مسألة وقت قصير ليس إلاّ.. وستتبوّأ تونس قريبا مكانة ضمن أكثر بلدان العالم فسادا في الترتيب الذي تصدره المنظّمات الدوليّة المختصّة بصفة دوريّة..!!
وهو ما سيشكّل عاملا إضافيّا جديدا يزيد في تعكير الأزمة الإقتصاديّة لتونس.. بإبعاد كبار المستثمرين العالميّين الجاديّين عنها.. وفتح المجال في المقابل فقط للأفاّقين والمتحيّلين الدوليّين الذين سيجذبهم تفشّي وانتشار الفساد في تونس.. ليأتون لاصطياد فرص الربح السهل والسريع والرخيص في شكل “المستثمرين الأجانب”.. وهم في الحقيقة يتآمرون مع الفاسدين من تونس على إكمال مصّ موارد الشّعب التونسي بشراء ذمم وتواطئ مجموعة من المتنفّذين الفاسدين..!!
وسيزيد كلّ ذلك طبعا في خسائر الدّولة التونسيّة.. وإنهيار وضعيّتها الماليّة.. وتعكير الحالة الإجتماعيّة للتونسيّين الذي يرزحون بطبيعتهم حاليّا تحت وطأة الغلاء.. والبطالة.. وفقدان الموارد.. وتراجع قدرتهم الشرائيّة ومداخيلهم..!!!

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock