خطبة دينيّة مهرّبة
صالح التيزاوي
فضيحة على الوطنيّة 2
فاجأتنا الوطنيّة الثّانية بخطبة دينيّة مهرّبة من الحقبة النّوفمبريّة البائسة مع جملة ما أصبح يهرّب من بضائع وسلع جعلت حياة النّاس ضنكا.. تضمّنت الخطبة البائدة من ذلك الزّمان البائد تهنئة للمخلوع والحجّامة بحلول شهر رمضان وتمجيدا لهما على “الرّخاء” الذي عمّ ربوع تونس في العهد “السّعيد” لصانع التّغيير وحاكمة قرطاج.. فهل كان ذلك مجرّد خطإ بشري غير مقصود؟! أم هو فعل استفزازيّ متعمّد؟
أيّا كان الأمر، فلا ينبغي أن يمرّ الحدث دون محاسبة. فإن قالوا: هو مجرّد خطإ فهذا عذر قبيح لا يقبل من مؤسّسة إعلامية تدّعي المهنيّة والحرفيّة وتقدّم دروسا في ذلك، وإن كان متعمّدا، فهذا استفزاز لمشاعر التّونسيين يرتقي إلى مستوى الجريمة، يقتضي المحاسبة بأكثر صرامة.
مهما كانت أعذارهم، فهي لا تبرّر ذاك المشهد الصّادم، أقلّ ما فيه أنّه استهتار بالمسؤوليّة وبمبدإ الحرفيّة الإعلاميّة وأخطر ما فيه أنْه ازدراء لدستور الثّورة ومؤسّسات الدّولة التي بنيت على أنقاض حقبة سادها الفساد والإستبداد وعدوان على ثورة تونس وعلى دماء شهدائها البررة وعلى الإنتقال الدّيمقراطي للبلاد وأنّه قدّم خدمة لحزب بعينه لم يعد يخفى ميولاته لإعادة إنتاج النّظام النّوفمبري بكلّ وقاحته ولا يخفي عداءه للثّورة ويعمل على توظيف المال الفاسد للتّعبئة الحزبيّة وإشاعة الكراهيّة، كما كان يستعمله قبل الثّورة لإفساد الإعلام وإفساد السّياسة.
ما جرى ليلة استقبال الشّهر الفضيل يؤكّد بما لا يدع مجالا للشّكّ أنّ الإعلام الذي كان ذراع المخلوع في المناشدة وتزييف الوعي وتشويه خصومه وهتك أعراضهم لم يتعاف بعد الثّورة من علله وأمراضه المزمنة على مستوى المهنيّة وعلى مستوى الإستقلاليّة والموضوعيّة. لا يحتاج الأمر إلى جهد كبير ليدرك المرء أنّ المشهد الإعلامي حمل لواء الثّورة المضادّة وخذل الشّعب التّونسي بعد الثّورة كما خذله قبلها.
وليس من المؤمّل في المنظور القريب أن يحتلّ مكانة مرموقة ضمن الإعلام الحرّ على الرّغم من مساحة الحرّيّة التي أضحى يتمتّع بها، لأنّه يرفض الإصلاح من داخله ومن خارجه، ولأنّه أصبح طرفا في المعارك الحزبيّة والسّياسيّة. كيف للعقل أن يهضم تمرير خطاب دينيّ رديء وسخيف من زمن الوقاحة النّوفمبريّة في مرحلة جديدة من تاريخ تونس حلّت فيها المؤسّسات الدّستوريّة محلّ الأشخاص وتأليههم؟ وكيف للعقل أن يقبل تبريرا لما جرى؟ وهل ستمرّ الفضيحة كسابقاتها دون حساب تكريسا لواقع الإفلات من العقاب؟
ربّ ضارّة نافعة!!
على الرّغم من الإساءة البالغة التي الحقتها الفضيحة الإعلاميّة بمشاعر التّونسيين فإنّها أعادت إلى الأذهان دور العصابة النّوفمبريّة في توظيف الخطاب الدّيني الذي كان المخلوع يدّعي زورا محاربته وتوظيف الإعلام والإعلاميين لتثبيت أركان الإستبداد.
الشّعب صاحب الفخامة
أجمل ما في الثّورات العربيّة أنّها أعادت للشّعوب فخامتها ونزعت من الحكّام فخامتهم وضخامتهم وجلالتهم.. كم كانت تتعبنا تلك العبارات البائسة: صانع التّغيير وأصحاب الفخامة وسيّدة تونس الأولى على نحو ما جاء في ذلك الدّرس الدّيني البائس.. جاء الدّور عليهم ليستمعوا صاغرين إلى الشّعوب صاحبة الفخامة ويتعذّبوا كما عذّبوا شعوبهم بصلفهم وعنجهيّتهم… الشْعوب العربيّة في غمرة إحساسها بفخامتها تردّ على احتقار الحكّام بالمثل… تأمر وتنهى وتقبل وترفض وتشترط وتقول لهم دون خوف أو وجل “ارحلوا”… فيرحلون غير مأسوف عليهم… فمنهم من بات يعرف بالمخلوع ومنهم المقبور ومنهم المسجون… والبعض الآخر مازال ينتظر وما بدّل في الإستبداد تبديلا… كما يرفض إعلام الحقبة النّوفمبريّة أن يتبدّل وأن ينخرط في خدمة القضايا بدل خدمة الأشخاص والأحزاب خاصّة تلك التي لم تعد تخفي ولاءها للمنظومة القديمة بكلّ مساوئها وقبحها. فلا شكّ أنّها المستفيد الوحيد من فضيحة الوطنيّة 2 بعيد فضيحة “سيغما كونساي” التي منحتهم في آخر سبر للآراء مراتب متقدّمة في نوايا التّصويت. فإذا قبلنا أن ما حدث على الوطنيّة الثّانية مجرّد خطإ مهنيّ فهل تزامنه مع سبر الآراء الأخير مجرّد مصادفة؟! وهل تواعد ثلاثتهم على “مكان وزمان سُوَى”؟