سليم حكيمي
أحد مفجري الثورة الجزائرية، قضى 7 سنوات في سجون فرنسا، و8 في سجون النظام 1992 – 1997، واقامة جبرية الى 2003، وجريرته… الفوز في الانتخابات. أحد وجه التيار العروبي الاسلامي الذين حاولوا تصحيح مسار الدولة الذي تم الانقلاب عليه في مؤتمر طرابلس 1962، حين اعلنت النخبة الفرنكفونية ان لا علاقة للدولة الحديثة بالدين، ناكثة عهد بيان 1 نوفمبر 1954، الملتزم بالاسلام نهجا منحرفة الى نظام اشتراكي علماني..
وبعد موجة غضب اجتاحت الجزائر سنة 1988 اثر تردي الاوضاع الاجتماعية، بدأ عصر الانفتاح بدستور 1989 مع الرئيس بن جديد. فحصلت الجبهة الإسلامية للإنقاذ، جوان 1990 على فوز في البلديات: 853 من اصل 1539 اي 32 ولاية من اصل 48. ثم اشفعتها بنصر ساحق في التشريعية بـ 188 مقعدا من اصل 288 في الدور الاول، مقابل جبهة التحرير الحزب الحاكم بـ 16 مقعد فقط. وكان لها 2 مليون و200 الف صوتا، مقابل جبهة التحرير بمليون و600 الف، ولكن نظام الاغلبية الانتخابي سحقت به منافسها. أدرك عبد القادر حشاني ابرز قياديي الجبهة، خطر الفوز، فخاطب احمد طالب الابراهيمي يعلمه بالتنازل عن بقية المقاعد لجبهة التحرير في الدور الثاني، وعدم رغبة في الهيمنة، بل تخليهم عن رئاسة الحكومة والوزارات السيادية. فيجيبه: “انتصاركم اخطر عليكم من هزيمتكم”. لم تصل الرسالة بن جديد بل صهره والي محافظة “تيبازة” الذي احتفظ بالمعلومة.
عُلقت الانتخابات، الغي الدور الثاني واعتقل الالاف من انصار “الفيس”، وانطلقت خطة جهنمية: عنوانها “لا بد للخوف ان يغيّر موقعه” اي ان يتحوّل من السلطة الى الخوف من الاسلاميين، ولا سبيل الى ذلك الا بإخراجهم في إهاب الارهاب. فاسست المخابرات “الجماعة الاسلامية المسلحة” صائفة 1991، واختُرقت جماعات اسلامية مسلّحة. وتوالت تصريحات الاستئصاليين “دفعنا مليون شهيد من اجل التحرير سندفع مليونا اخر من اجل التطهير”. براءة الاسلاميين، تاتي في الجواب عن سؤال كيف ينتقم حزب من منتخبيه؟؟؟ فأكثر 50 % من المجازر من وقعت في ولايات صوتت للجبهة بقوة خاصة في الشمال والوسط والغرب. ما حدث هو “التطهير الانتخابي” بلغة أحد علماء اجتماع الجزائر.. كان القتل يتواصل لساعات في القرى “بني مسّوس” و”رايس” و”بن طلحة” وهو ما ورد في شهادة احد الناجين، نصر الله بويس في كتابه “مجزرة من قَتل في بن طلْحة ؟” التي قضى فيها اكثر من 400 جزائري… و”الحرّاش” التي صوتت 100 % “للفيس”، ليتحدث الصحفي “روبرت فيسك” عن حرب ملثمين فيها “قتلة بلا وجوه” يرتدون لحى مصطنعة تعطّروا بريح المسك، وهو ما ذكره الملازم “الحبيب سويدية” في كتابه “الحرب القذرة” عن خروج افراد الى قتل عناصر من الجبهة في القرى… وكانت فكرة الميليشيات وما سُمي “الرجال الواقفون” نسخة من “الحرب المضادة للثورة” المقتبسة من الماريشال “شارْل الفرنسي “الحِرْكة” ضد ثوار الجزائر الحقيقيين… حتى وصل عددها 500 الف بمكر من رئيس الوزراء “رضا مالك” احد اقطاب الاستئصال. ثم قُتل مُغني القبايل “معطوب بلْونّاس” لاثارة نعرة المنطقة ضد مشروع التعريب، فوقع ايقافه بالفعل سنة 1998.
في جدليّة الحق والقوّة، كان النظام يعد لكسب حرب حين كانت الجبهة قد كسبت معركة. قرار الداخل كان بمباركة غربية وخليجية. تدخلت “ديمقراطية الانوار” التي لا ترضى بالغاء نتائج انتخابات نقابة عمارة في فرنسا، والتي لقّبت “بن جديد” بـ “الحكيم الافريقي” “le sage africain”، قبل سماحه بالانتخابات، هللت للانقلاب عليه لفسحه المجال للديمقراطية أن تاتي بالاسلاميين، بل صرح الرئيس الفرنسي “ميتران” بأنه سيتدخل عسكريا حال فوز الاسلاميين، واوعز لجهَلة الخليج الغشيم، فدفع 4 مليار دولار للانقلاب على المسار.
يصعب تقييم تجربة أجهضت في مهدها، فلم يكن لها الوقت لا للمعارضة او الحكم. ولكن كل ما اريد هو عدم تغيير النظام وقواعد العمل في الدولة. وكانت “الفيس” عنوان اصلاح ضدّ فساد ركين. ولكنها تورطت في “بيع جلد الدُبّ قبل قتله” وشربت السُمّ اتكالا على ما عندها من ترياق. وبين من اعتبرها تعبيرة عن حالة احتقان اخافت الجوار، وليس مشروع بناء، لا تملك رؤية للدولة ولا خبرة سياسية ولا دراية بالحقيقة الدوليّة، والرهان الاوربي على الجزائر وخاصة الفرنسي وكان نجاحها فخّا حقيقيا لقصفها كما حصل “للاتجاه الاسلامي” بعد انتخابات 89 في تونس. وبين من اعتبر حلمها حق ديمقراطي اصيل امام جبهة تحرير استنفذت كل شرعية التحرر الوطني والاخفاق في بناء الدولة، ياتي سؤال النهضة والحضارة في بلد يملك “مالك بن نبي”، وسؤال الديمقراطية ومعناه وجدواه، فهي صوت وشعب يقرر من سيقرّر، تقترب في لحظات من الاسطورة في ما تنجز…
تحقّ اليوم فتوى الصادق الغرياني الاخيرة من ليبيا: “لا يحق الحج والعمرة مرتين، فاثمهما اكبر من نفعهما لانهما تمويل نظام سعودي يقتل المسلمين في اليمن وليبيا…”، قضى في سنوات الرصاص 200 الف جزائري، وخسرت البلاد 28 سنة من التنمية لتنتهي باقتصاد دخل 95 % منه من النفط. سنة 2003 اعلن الشيخ “المبادرة الشعبية لحل الازمة” ولكن تم تجاهلها لتبقى البلاد على غارب النهب حتى انفجرت الاحداث… موجة الربيع العربي الثانية. الاسد الشيخ المرابط ومؤسّس “جمعية القيم الاسلامية” 1963 و”الفيس” 1989… وان اخفق في مواجهة قوى غاشمة، فقد نجح أن يكون رمزا يثبت عنده المبدا وقد تتغير -فقط- منه الوسيلة، يهز موته الملايين، شخصية كارزمية رصينة آمنت بحتمية سقوط النظام، قال عنها احمد منصور “لاول مرّة أحسست اني امام جبل”. وعكس زعماء اسلاميين “من أكَلة الرّجال”، يذكر الشيخ دوما كل مناقب قامات جيله وحزبه.. مصّالي الحاج، العربي بن مهيدي، وفرحات عباس، وعلي بلحاج وحشّاني وأحمد سحنون… “لم يَجن الجزائريون من الثورة سوى الشعارات” تلك قولته، لكنهم صاروا اليوم يدركون أن “أنصاف الثورات مقابر للشعوب”. اما انت ايها “المجاهد المظلوم” -رحمك الله- فشرف جيلك بناء نصف المحراب…
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.