فأس "الهايكا" وهراوة القروي..
صالح التيزاوي
بعد أخذ وردّ أقدمت “الهايكا” (الهيئة العليا المستقلّة للاتّصال السّمعي البصري) على غلق قناة نسمة وحجز معدّاتها باستعمال القوّة العامّة، الأمر الذي دفع بعض النّشطاء والسّياسيين إلى إبداء تعاطفهم مع القناة، إمّا لقناعة متأصّلة لديهم بحرّيّة الإعلام. وإمّا نكاية بالحكومة والمشهد السّياسي عموما، فبدت الفرصة مواتية لتسجيل بعض النّقاط على مشارف موسم انتخابي، وقد علّقت مسؤولة بارزة في الوطني الحر على ما جرى “إنّ الدّكتاتوريّة النّاشئة تمرّ من التّخفّي إلى العلن”.
فهل للحكومة علاقة بقرار الغلق وبما قال عنه رئيس الحكومة سابقا إنّها الحرب على الفساد؟ أم هو مجرّد إجراء ردعي أقدمت عليه “الهايكا” في إطار مهامّها كهيئة تعديليّة بعد أن استعصى عليها حمل القناة على الإنضباط لقواعد وأخلاقيات المهنة؟ وهل استنفدت فعلا كلّ الحلول قبل قرار الغلق؟
لا شكّ أن الحدث يثير جملة من التّساؤلات: لماذا الآن قرار الغلق؟ وهل لذلك صلة بما يشاع عن ترشّح صاحب القناة للإنتخابات الرّئاسيّة؟ وهل تعاظمت التّجاوزات إلى الحدّ الذي جعل السّكوت أمرا مستحيلا؟
يرى كثيرون أنّ صاحب “قناة العائلة” أشهر هراوته على الجميع، ولا يبدو أنّه يقيم وزنا لأخلاقيات وقواعد مهنة الإعلام التي تقتضي الحياد والإستقلاليّة، فقد أصبح طرفا في المعارك الحزبيّة والسّياسيّة، ولا يبدو أنّه يقيم وزنا لأخلاقيات العمل السّياسي، حيث بات واضحا أن صاحب القناة يوظّف بطريقة فجّة المنبر الإعلامي لتحقيق مكاسب سياسيّة. وهو في طريقه أن يصبح “بيرليسكوني تونس”.
ليس خافيا على أحد أنّه يسعى لبناء إمبراطوريّة يتداخل فيها المال والسّياسة والإعلام وأضاف إليها ضلعا رابعا “العمل الجمعياتي” من خلال جمعيّة “خليل تونس”. وهو في ذلك كلّه يسير على خطى أباطرة المال والأعمال في العالم الذين وجدوا الإستثمار في الإعلام أقصر الطّرق لتوجيه الرّأي العام وتحقيق مكاسب في مجال السّياسة والأعمال.
تثبت تجارب كثيرة في العالم أنّ أصحاب المال والأعمال الذين أقدموا على امتلاك الصّحف والفضائيات ليسوا مدفوعين برغبة في تطوير المشهد الإعلامي والدّفاع عن الحرّيات في وجه توحّش الحكومات وتغوّل الدّول، وإنّما يبحثون عن ملاذات تحمي مصالحهم وتضيّق الخناق على كلّ ما يتعارض مع مصالحهم ورغباتهم.
المشهد الإعلامي لا يمكن أن ينهض به إلّا أصحاب المهنة المتشبّعبن بقيمتها وبمبادئها مهما كانت أخطاؤهم، أمّا أباطرة المال والإعلام فهم كالملوك الجبابرة إذا دخلوا قرية خرّبوها. إنّهم يؤسّسون لـ”دكتاتوريّة البزنس” وهي الوجه الثّاني للدّكتاتوريّة السّياسيّة.