الإعلام المضلّل: "لماذا نحبّه" ؟
صالح التيزاوي
عندما بلغ استبداد بن علي حدّا غير مسبوق في تاريخ تونس، واشتدّ بطشه بخصومه ومعارضية، حتّى غدت القسوة عنوانا على تلك الحقبة، وعندما استشرى الفساد في البلاد وأحكمت لوبيات المال ومافيات الفساد قبضتها على أجهزة الدّولة وانحرفت بها لخدمة مصالح الأقلّيّة على حساب الدّواخل والقواحل، وفي الوقت الذي كانت تقارير الهيئات الحقوقيّة في الدّاخل والخارج تخرج تباعا مشيرة إلى انتهاك فظيع للحقوق والحرّيات… في تلك الحقبة الحزينة من تاريخ تونس، انبرت أقلام المتزلّفين يزايد بعضها على بعض في المناشدة، حتّى أنّ أحدهم كتب في جريدته الصّفراء بطاقة جعل لها عنوانا صادما للرّأي العام في تونس “لماذا نحبّه”؟
عدّد في بطاقته قرابة السبعين “خصلة” من خصال المستبدّ الفاسد (لا يتوفّر على واحدة منها): بعضها لا يليق إلّا بالأنبياء مثل “الصّادق ألأمين” وأمّا بعضها الآخر فمحض أكاذيب لا يقدر عليها إلّا من كان له باع في التّملّق والسّفالة!! ولا أحسب أنّ أحدا كتب مثله في مستبدّ آخر، ولا أحسب أنّ بن علي نفسه خطر بباله أن يقول فيه شخص ما مثل ذلك الكلام، هو نفسه لم يكن يصدّق ما يكتب عنه وما يشاع عن (نباهته وذكائه وعبقريّته ومعجزته الإقتصاديّة ونطافة يده)، فهو عند صاحب البطاقة السّافلة المملوءة كذبا وزورا: (المنقذ من المجهول، منير السّبل، قاهر المستحيل عنوان الشّهامة، راعي الإبداع، محقّق الإمتياز)… لو طلب من صاحب هذه البطاقة أن يذكر بعضا من خصال والده أو والدته ما أفلح…
أذكرنا أنّ هذا المتسلّق، لمّا انقلب بن علي على بورقيبة وأقصاه بطريقة مذلّة، ركب سريعا موجة “التّغيير” ليحصل على المنّ والسّلوى ويحجز مكانه في الجوقة الجديدة، كتب ذات مرّة منتقدا الحكم الفاسد لبورقيبة والطّبقة الفاسدة التي أحاطت به مستغلّة شيخوخة الرّئيس لتتلاعب به تحقيقا لما يقرّبها من خلافة العجوز المريض، حيث كتب منتقدا “بكلّ حزم” دورة بورقيبة الإستثنائيّة للبكالوريا عام 1986. واعتبر الدّورة تلاعبا بمستقبل أبنائنا لغايات شخصيّة.
هو نفسه وفي نفس الرّكن من جريدته “بطاقة” كتب عن دورة بن علي الإستثنائيّة للتّاسعة أساسي في نسختها الأولى “بن علي يعرف كيف يدخل الفرحة في القلوب وفي العائلات التّونسيّة”.. أيّ نفاق هذا؟! لا يقدر عليه عتاة المنافقين! وايّ نوع من البشر هؤلاء؟ ومن أيّة ملّة؟ لقد جعلوا من قلوبهم مستعمرة لأقبح وأرذل أنواع العبوديّة!
هذا الذي أفنى عمره في التّلوّن كتب بعد الثّورة وقبل انتخابات 2014 في ذات الرّكن “بطاقة” يشيد فيها بالرّئيس الحالي “إنّه بسيط كالماء… واضح كالشّمس”. رئيس الحكومة الحالي هو الآخر كان له نصيبه من المدح والثّناء، حيث قال عنه بأنّ شعبيته في تزايد، وأنّه في ظرف زمنيّ وجيز تحوّل إلى نجم… لا تستغربوا.. فمن شبّ على بطاقة البؤس الإعلامي والثّقافي شاب عليها.