لماذا تلدغ الشّعوب العربيّة من جحور الأنظمة مرّتين ؟!
صالح التيزاوي
تعيش الجزائر والسّودان حراكا شعبيّا على وقع شعار الثّورة التّونسيّة المجيدة “الشّعب يريد…”. وبين ما تريده الشّعوب وما تريده بقايا الأنظمة مسافة بعمق سنوات الإستبداد والقهر والإذلال… وفي الوقت الذي يجتهد فيه حراك الشّعببين إلى التّخلّص من النّظامين وأركانهما، فإنّ العسكر في مصر يتّجه إلى تكريس الإستبداد على وقع إقرار برلمان السّيسي لتعديلات دستوريّة تتيح للسّيسي حكم مصر مدى الحياة وهو الذي أظهر في أكثر من مرّة زهده في الحكم وأقسم على ذلك بأغلظ الأيمان.
ماذا تريد الشّعوب؟ وماذا تريد بقايا الأنظمة؟
الشّعوب تريد رحيل النّظم بكلّها وبأعجازها وكلكلها وأعوامها السّود، (نهارها كليلها) ورموزها الفاسدة ووجوهها القبيحة ومناهجها العقيمة التي لم تنتج سوى الفقر والبؤس والتّبعيّة. وأمّا بقايا الأنظمة فإنّها تكتفي برحيل رأس النّظام فقط حتّى يتسنّى لها إعادة إنتاج نفسها لتعود سيرتها الأولى، فقد تعلّمت من الأفاعي تغيير جلدها. ولو ركن إليهم الشّارع قليلا، فما من شكّ أنّهم سيحرقون القوى الثّوريّة عاجلا أو آجلا ولن يجدوا كبير عناء في اختلاق الذّرائع كما فعل “أدولف” مصر… وسيعود الفاسدون حتما إلى الواجهة بمجرّد انسحاب القوى الثّوريْة من الميادين كما حدث في تونس، حيث تمكّن نداء تونس وريث التّجمّع والصّاعد إلى الحكم من بوّابة ديمقراطيّة لا يؤمن بها أصلا. فكانت “باكورة إنجازاته” تمرير قانون المصالحة مع الفاسدين ومع ناهبي المال العام.. وهم الذين قامت عليهم الثّورة وطالبت بمحاسبتهم، فإذا بهم يفلتون من العقاب وكأنّ شيئا لم يكن!!
الشّعب يريد رحيل النّظام رأسا وجسدا وأذرعا وأبواقا وعملاء وخونة وصحافة صفراء وحسّا وركزا.. أمّا بقايا النّظام فتريد من القوى الثّوريّة ترك الشّوارع والعودة إلى بيوتهم على طريقة مواكب العزاء “شكر اللّه سعيكم”، بعد وعود كاذبة (وما أكذبهم) بالإستجابة إلى مطالبهم.. وهل هم أهل للثّقة؟ ما أجمل قول يعقوب عليه السّلام لأولاده “هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَىٰ أَخِيهِ مِن قَبْلُ”؟! الحراك الشعبي في الشّوارع والميادين العربيّة يتشوّق إلى الحرّيّة ويريد الإنطلاق سريعا في بناء دولة العدل والقانون، أمّا بقايا الأنظمة فتتّهم الحراك بالإستعجال وتدعوه إلى “التّعقّل”! ومتى كان للأنظمة الرّعويّة المتخلّفة والمستبدّة عقل؟! بعضها يدير الدّولة بمفهوم العشيرة والقبيلة وبعضها الآخر يتعمّد الخلط بين الحزب والدولة، رغم دعوى الإنتساب إلى الحداثة والعلمانيّة، حتّى صار شائعا بين النّاس إذا ذكرت الدّولة انصرفت الأذهان إلى الحزب والحاكم.
هل يمكن الإصلاح بمجرّد سقوط رأس النّظام؟
واهم من اعتقد يوما أنّ للثّعلب دينا.. وأكثر وهما من ظنّ أنّ بقايا أنظمة السّوء تريد الإستجابة لمطالب الجماهير!! فإن هي استجابت مخاتلة تحت الضّغط، فإنّ الذين نصّبوهم واحتضنوهم ووصفوهم “بالرّائعين” لن يقبلوا أبدا.. وكيف يقبلون بمجيء آخرين، يرون فيهم تهديدا مباشرا لمصالحهم ولا يرون في بلدانهم غير سوق لمنتجاتهم؟! الدّولة العميقة تهادن القوى الثّوريّة إلى حين.. وبين حين الثّورة وحين الدّولة العميقة، تمطر سماء قوى البغي الأكبر ومحور الشّر العربي الملعون رزّا وطحينا ومالا وسلاحا وإرهابا لشراء الذّمم وتجنيد المأجورين من قوّادة النّظم البائدة لتقبيح ثورات الشّعوب في أعين النّاس حتّى لا تتحوّل إلى نموذج يغري شعوبا أخرى بالثّورة وبالتّمرّد على عروش هي أوهن من بيت العنكبوت لو تعلّقت همّة الشّعوب باجتتثاثها… فلا تركنوا أيّها الثّائرون إلى من جرّبتم عليهم الكذب والفساد فيمسّكم الإذلال من جديد…