صالح التيزاوي
بعد ستّة أسابيع من الحراك السّلمي المطالب بالتّغيير وفي ليلة الإسراء والمعراج، يودّع الشّعب الجزائري مرحلة ويستقبل أخرى، تليق بتاريخه الحافل بالنّضال وبهويّته التي أقامها على أساس مقاومة الإحتلال الفرنسي والتّطلّع إلى الحرّيّة.
حقّق الشّعب الجزائري أوّل مطالبه بكلّ سلاسة وتحضّر ودون عنف وفي إطار دستوري.. حدث تاريخي ويوم تاريخي، لاشكّ أنّه سيعزّز مكانة التّجربة التّونسيّة في الإنتقالي الدّيمقراطي. شعب المليون شهيد يقتفي أثر جاره وشقيقه التّونسي مسفّها أحلام وأوهام دعاة الفوضى الذين راهنوا على استنساخ التّجارب الدّمويّة في الجزائر، كما فعلوا مع تونس من قبل.
نجحت الجزائر لأنّ بوتفليقة مهما قيل عنه لم يكن دكتاتورا مثل نظام البراميل المتفجّرة، ولأنّ الجيش الجزائري قرّر الإنحياز إلى مطالب شعبه وحدها على عكس ما فعل العسكر في مصر، عندما خان الشّعب وغدر بالثّورة وانحاز لمصالح الأقلّيّة ومطالب خارجيّة معادية لتطلْع الأمّة في الحرّيْة والتّحرّر. بوتفليقة الذي أعاد إلى الجزائر أمنها وخرج بها من عشريّة الدّم، خرج من الباب الكبير احتراما لإرادة شعبه دون رصاص حيّ ولا براميل متفجّرة.
لقد أضحت التّجربة التّونسيّة ملهمة للشّعوب مهما اشتغلت الثّورة المضادّة في الدّاخل والخارج على تشويهها والكيد لها بهدف إجهاضها مستعينة على ذلك بكلّ الوسائل القذرة.
هكذا هي الشّعوب الحرّة تصنع تاريخها وتسيطر على مصائرها متطلّعة إلى مستقبل أفضل. وحدهم العبيد لا شغل لهم غير تمجيد المستبدّين وتقبيل أحذيتهم رهبة من سياطهم ورغبة فيما يلقون به إليهم من فتات مغمّس بكرامتهم..
ليلة الأمس، كانت الأفراح في الجزائر والرّعب اجتاح مثلّث الشّرّ في الوطن العربي (مصر، الإمارات، السّعوديّة) هناك حيث تجمّع شياطين الأرض يتواصون بالإستبداد والكيد للشّعوب التي آثرت ركوب قطار الحرّيّة، ويعملون جاهدين على إغراق الرّبيع العربي في بحر من الدّماء، وقد كان لهم ما أرادوا في مصر وفي سوريا وفي اليمن وفي ليبيا، ولكنّ رياح الشّعبين التّونسي والجزائري جرت بغير ما يشتهون.
ومن اللافت أنّ الحراك الشّعبي في الجزائر ونخبه يشيدون بالتجربة التّونسيّة، وأمّا في تونس منطلق الثّورات العربيّة فإنّ “البائدة بنت البائد” سليلة الشُّعب، تستفيد من مكاسب الثّورة ومن قوانينها لتلعن الثّورة وشبابها وتزدري دماء شهدائها وتتوعّد بتغيير دستور الجمهوريّة الثْانية وحلّ الأحزاب ومحاكمة رموز الثّورة وأنصارها. تتنقّل من وسيلة إعلام إلى أخرى ومن مكان إلى آخر محاطة بنفس الوجوه من صبّابة الشّعب مهدّدة بالويل والبطش… والعودة بتونس إلى نظام الحزب الواحد بكلٍ توحّشه. يتيمة بن علي تروْج لخطاب موغل في الكراهيّة وفي الإستئصال، خطاب سيرفضه الشّعب التّونسي في كلّ الجهات كما رفضه الشّباب المنتصر للحرّيّة وللدّيمقراطيّة في سيدي بوزيد دون عنف كما ادّعت تلك التي احترفت الكذب والتّزييف.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.