عبد الله المعياري المعروف بـ "الموقراطي"
الخال عمار جماعي
لا أعلم من مزاج “عبد الله المعياري” إلاّ ما يتعاوره من أحوال تتفاعل كالكيمياء بين عناصر متناقضة. فعلى ما أتاه الله من “معيار العلم” والإستطاعة، ركّب فيه طبعا حادّا كالمتحفّز أبدا لمعركة.. فإذا لامه في ذلك بعض صحبه قلب لهم ظهر المجنّ حتى يسترضونه. وما كان ذلك شغفا بعلمه، ولكنّ عشايا الصحراء طويلة فلا يقصّرها إلا عبد الله وكتابه.. ولا حظّ لهم في غيره. فإذا اجتمعوا بين يديه أقبل يتطاوس وتصدّر المجلسَ ومدّ رجليه النحيفتين مضمومتين كعودين من السّدر.. وتشاغل بالكتاب.
كان هذا دأبه ودأبهم كلّ عشيّة.. غير أنّه بدا منذ يومين مكروبا وخشينا -وقد رضي عنّي بعد لأي ومكّنني !!- أن يكون به داء يكتمه.. لكنّه عندما جلس إلينا وكان قد قدم لتوّه من جهة لا نعلمها حتى حلّ بمجلسنا، بدا طلقا منبسطا حتى تجاسر أحدنا فقال: “شنهي آ سي عبد الله، تي وين غطست ؟” فقال: “كنت نشوف في الذراوين يحادفوا في الحجر” فزاد تجاسرا: “وانت ايش لازّك على الذراوين.. قدرك من قدرهم ؟!” ثمّ حوقل.. فقال عبد الله: “شبي امّك انت ؟ كفّك ياكل فيك على تصفيق الشّعُب ؟!”..
انتفض صاحبنا كمن لسعته أفعى وكتمنا نحن شماتتنا. غير أنّ المعياريّ لم يأبه.. حتى قال الملسوع: “شنهي توة ؟! تي هاك طلعت موقراطي !! والله حرام هاضه قدّام ربّي” وعقد يديه على ركبتيه وإلتفت إلينا فلم يجد نصيرا.. عندها علم عبد الله المعياري أنّه تمكّن منه منفردا. فجماعتنا وإن كانوا لا يفرّقون بين “الموقراطية” والإنخراط في الشعبة للظفر بالعلف، فإنّ لعبد الله سطوته.. فانحازوا له.
ترك الكتاب واتجه إلى صاحبنا قائلا: “توة بجاه ربّي لتوة ما عييتش من هزّان الطحين ؟ لتوة عايش على “يحيا بورقيبا”؟ مازلت ترعش م الحرس وتقوله سيدي؟ تي برّه ن…حّ ها الكبوس المسردن على اوذانك من الرّخص..” ولولا أنّي نبّهته أن يستر عورته وقد سهى لواصل نثر بزاقه على الرّجل.. ومن عجب أنّ صاحبنا لم يهتزّ له جفن !!
لملم عبد الله نفسه وأعاد بسط رجليه كعودين من السّدر وفتح كتابه وانبرى: “إنّ كلّ منهو يهزّ الطحين لا مرجى منه.. و”ما ربّك بظلاّم للعبيد”… “وكلام آخر أنا على يقين أنّه لا يوجد في الكتاب ونزهة الألباب، وإنما هو من حديث “عبد الله الموقراطي”…
“الخال”