تدوينات تونسية

تقبيل الأحذية طعام السّفلة

صالح التيزاوي
وصف الكواكبي الحرّيّة بأنّها “شجرة الخلد” ووصف العبوديّة بأنّها “شجرة الزّقّوم”. لكن لم يخطر على باله، وهو الذي أفنى عمره في محاربة الإستبداد. ودفع حياته ثمنا لذلك، حيث مات مسموما وقال عنه المفكّر محمّد عمارة إنّه “شهيد الحرّيّة”. لم يخطر على باله أن يأتي يوم على العرب يفرض فيه الحاكم العربيّ المستبدّ على عبيده تقبيل حذائه. وقد وجد في السّفلة من قومه الذين لا تهمّهم كرامتهم من يفعل ذلك إرضاء لسادتهم.
بعد موجة الشّعارات التي تمجّد المستبدّين والتّصفّيق لكذبهم وبعد موجة الإنحناء أمامهم وبعد تقبيل الأيادي، ها نحن أمام ظاهرة جديدة، ظاهرة تقبيل الأحذية. لم يعد الحاكم العربي المستبدّ كما قال الكواكبي يكتفى “بوضع كعب رجله على أفواه الملايين من النّاس ليمنعها عن النّطق”. بل أصبح يفرض على جيش السّفلة من المتملّقين وممّن لادين لهم ولا كرامة فعل ما لم يفعله العبيد من قبل!!!
افتتحت الإعلاميّة التّونسيّة “كوثر البشراوي” هذه العادة القبيحة، عندما ظهرت على قناة المنار وهي تقبّل حذاء تزعم أنّه رمز للمقاومة وتضعه على رأسها. وباسترسالها في الحديث ذكرت دجّال المقاومة وسفّاح الشّام أكثر من ذكرها وتمجيدها للمقاومة. فأيّ حذاء قبّلت؟ حذاء المقاوم أم حذاء السّفّاح؟ وعلى نهجها سار سفلة آخرون في مصر بعد الإنقلاب الدموي، حيث دفعت بهم سلطة الإنقلاب إلى السّاحات العامّة رافعين أحذية العسكر على رؤوسهم. وعلى خطى أولائك العبيد سار آخرون من أمثال “إعلامي” إماراتيّ، حيث ظهر على الشّاشة وهو يقبّل نعلا (شلاكة)، مفترضا أنّها لسيّده ومولاه ووليّ نعمته وخانقه “محمّد بن زايد”. فهل أصبحت العبوديّة شجرة الزّقّوم التي يقتات منها أولائك العبيد في زمن اتّجهت فيه كلّ الشّعوب نحو الحرّيّة ونحو رفع القدّاسة عن الحكّام؟!
ماذا بعد هذا الإنحدار؟
في الوقت الذي تلتحق فيه أمم الأرض: أمّة بعد أمّة بمن سبقهم في التّحديث وفي التّقدّم وفي الإعلاء من شأن المواطن، ليمارس حقّه في اختيار من يحكمه والتّعبير الحرّ عن إرادته وأفكاره دونما خوف من السّجن أو القتل، مازالت الأنظمة العربيّة تمارس البطش والبلطجة على مواطنيها، مستعينة على تكريس سلطتها الإستبداديّة بكتائب من أراذل القوم والمأجورين… ولولاهم ما استطاع حاكم أن يتسلّط على شعبه. لأنّ “المستبدّ فرد عاجز لا حول ولا قوّة له إلّا بأعوانه من أعداء العدل والحرّيّة”. وفي الوقت الذي يكسّر الفتى الأبيض من أستراليا بيضة على صلعة نائب عنصري، يتّجه السّفلة من بني جلدتنا إلى تقبيل أحذية المستبدّين والقتلة ! رحم اللّه سيّد قطب، عندما جاءه مفتي عبد النّاصر يلقنّه الشّهادة قال له: يا هذا نحن نعيش بها ونموت عليها، أمّا أنتم فتأكلون بها الخبز”.
https://www.youtube.com/watch?time_continue=9&v=L8J9ZeBCkUE

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock