الثلاثاء 14 أكتوبر 2025
عبد اللطيف علوي
عبد اللطيف علوي

مشكلة الترشحات المستقلّة للرّئاسة

عبد اللطيف علوي
مهما كانت جدارة المترشّح، لا يمكن أن يكون له أيّ أفق حقيقيّ أو حظّ في النّجاح. هذا علم وحساب ومنطق وميزان، وليس تزويقا للأمنيات. أنا متعاطف حقيقة مع كلّ الحالمين وأتفهّم حماسهم وتطلّعاتهم، ولكنّ تعاطفي لا يستطيع أن يحجب عن عقلي حقائق الواقع مهما بدا الحلم أكثر إغراء وإثارة.
قيس سعيّد رجل محترم جدّا، ما في ذلك شكّ، ومثقّف جدّا في ميدان اختصاصه، هذا أيضا مؤكّد، كما أنّه يبدو شخصا نزيها ومتواضعا وصادقا، والصّفة الأخيرة هي الأهمّ على الإطلاق. لكنّ كلّ هذا لا يكفي ليجعل منه مراهنا حقيقيّا على كرسيّ الرّئاسة.
أوّلا لأنّه في ظلّ حالة العزوف الواسع عن المشاركة في الانتخابات، تبقى الفاعليّة الكاملة للماكينة الحزبيّة مهما كانت قيمة المرشّح المستقلّ، وبلغة أكثر واقعيّة ووضوحا، في تونس لدينا ماكينتان انتخابيّتان لا ثالث لهما: ماكينة النّهضة ومن جاورها بإحسان، وهي الأمل الباقي للثّورة حبّ من حبّ وكرخ من كرخ.
وماكينة النّظام القديم، ومن جاورها ببهتان. وعندما أقول النّظام القديم، فكلّ من يصوّت له أو يتحالف معه (عند الانتخابات وليس أثناء الحكم)، هو من النظام القديم. يعني ذلك أنّ الجبهة الشعبية، بمعاداتها للمرزوقي مرشّح الثورة وتصويتها للسبسي جعلت نفسها جزءا من النظام القديم مهما برّرت أو رفعت من الشعارات الكذّابة.
المعركة واضحة والبوصلة واضحة: الانتخابات الرئاسية سينتصر فيها فقط من تدعمه ماكينة النهضة أو ماكينة النظام القديم، كلّ الآخرين لن يغيّروا شيئا من هذا المشهد الأخير. من أراد أن يكون واقعيّا وعمليّا ومن كانت له مشكلة حقيقيّة مع مرشّح المنظومة البائدة، فليس له سوى خيار واحد: ادعم المرشّح الّذي سوف تقدّمه النهضة أو تدعمه النّهضة، كلّ ما عدا ذلك، سيصبّ خراجه في جراب مرشّح أبناء القديمة.
لاحظت الكثير من الأسئلة الذكية فعلا والتي يمكن من خلال الإجابة عنها رفع الكثير من اللبس لدى فئة عريضة، وسأحاول المساهمة في الإجابة على هذه النقاط تباعا بما أستطيع، دون أن أدّعي في العلم فلسفة، أو أنني صاحب قول فصل. أنا فقط أفكّر معكم بصوت مسموع،
وسأبدأ بما أثير حول فوز المستقلّين بالمرتبة الأولى في البلديّات.
أعتقد أنّ هذا القول مغالطة كبرى، وهو في الحقيقة لا ينمّ عن غباء بل عن خبث مقصود، والغاية هي الاستنقاص من فوز النهضة بغاية التقزيم من ناحية، وإقناع أنفسهم وناخبيهم بأنّها ليست لها شرعية الأغلبية.
لا يوجد شيء في الدنيا اسمه فوز المستقلين بالمرتبة الأولى، لأنهم ليسوا وحدة متجانسة يمكن التعامل معها ككتلة واحدة أو تنظيم واحد. المستقلون شتات، وفيهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. وليست لهم سياسة واحدة أو برنامج واحد أو عنوان واحد، فكيف يمكن تصنيفهم مع الأحزاب كما لو أنهم هم أيضا كيان واحد يحصلون بالجملة على الرتبة الأولى أو الأخيرة. سلّم ترتيب النتائج لا يكون إلاّ للأحزاب، أمّا المستقلّون فينظر إليهم دائما كجسم آخر على حدة. 

ثانيا: المستقلون في كل العالم يمكن أن يحقّقوا نتائج كبرى في البلديات، لأنها انتخابات محلية، الأشخاص فيها معروفون بشكل مباشر في الغالب، ولذلك تسمّى الانتخابات المحلية انتخابات القرب، فيكون الاختيار على الأشخاص ذوي الشعبية العريضة والتّأثير المباشر قبل الأحزاب، لكن لو شارك نفس أولئك الأشخاص في انتخابات ذات طابع جهوي أو وطنيّ لتغيّرت النتائج بنسبة 90%، لأنّ التصويت حينها سينتقل حينها إلى الأحزاب بحكم عدم المعرفة الواسعة بالأشخاص، وبحكم اختلاف الشأن الوطني عن الراهن المحلّي البلديّ.
تجربة ياسين العياري لا يمكن القياس عليها أبدا لإثبات العكس، لأنها لم تكن انتخابات حقيقية، كانت مزحة انتخابية لها ظروفها، وأهمّها إحجام النهضة عن المشاركة.
أردت القول من خلال ما سبق، إنّ النّفخ في بالون المستقلّين فيه كثير من سوء التقدير وخبث النوايا والرغبة في التزييف. في التشريعية وفي الرئاسية الكلمة الحاسمة هي دائما للأحزاب وللماكينات الانتخابية، المستقلّون سيوجدون دائما، بنسب تقلّ أو ترتفع، ولكن ليس إلى الحدّ الذي يمكن أن يحكم البلدان أو يصنع السياسات!

#عبداللطيفعلوي


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

عبد اللطيف علوي

واللّه لست حاقدا على أحد!

عبد اللطيف علوي  قد يكون فيما أكتب كثير من المرارة، وكثير من الحسرة على حلم …

عبد اللطيف علوي

ونحن على ذلك من الشّاهدين

عبد اللطيف علوي  هو عنوان كتابي الثّامن، الّذي صدر اليوم بعون اللّه عن دار العلوي …

اترك تعليق