وحدة الاسم، لا تعني وحدة المسمى: نعم توجد أديان إرهابية وبالجوهر
أبو يعرب المرزوقي
لست أدرى ما الذي جعل المسلمين لم يكتفوا باستسلام نخبهم التي نصبها الاستعمار على أوطانهم في مستويات التعبير عن مقومات ذاتها إرادة (السياسة) ومعرفة (العلوم) وقدرة (الاقتصاد والثقافة) وذوقا (فنونها) ورؤى (فكرها الديني والفلسفي) لتفقد كل شروط السيادة وتصبح مكتفية بالتقليد الذي يحاول أن يثبت للمستبدين بأمرها وسادتهم الذين نصبوهم عليهم أنه تابع في ذلك كله وأن كل ما يختلف به عنهم هو انحراف في حضارته وفي فكره.
وسأكتفي هنا بالكلام على الموقف من الأديان.
فحتى يبرئوا الإسلام مما ألصق به من تهمة الإرهاب -هو محاولة فاشلة حتما لان المتهمين يعلمون أنه بريء ويعلمون أنهم يكذبون ولا معنى لمحاولة اقناعهم بالعكس- صاروا يزعمون أن الإرهاب لا دين له والضمير في ذلك أن الأديان كلها متماثلة وأنها كلها بريئة من الإرهاب. وهذه كذبة مفادها أن وحدة الاسم دين تعني وحدة المسمى دين.
فيكون الدين الذي يقول بالطبقات الثابتة مثلا ومنها طبقة المنبوذين.
أو الدين الذي يقول بشعب الله المختار والجوهيم.
أو الدين الذي يقول بالأسرة المختارة الوسيطة والوصية على الأمة.
أو الدين الذي يقول بضرورة الإيمان بابن الله شرطا في الإيمان.
كلها مثل الإسلام البريء من ذلك كله. فنكون كمن يريد أن يبرئ كل المجرمين لأن أحد المتهمين جرم من قبلهم فبرئوا حتى يستفيد من التبرئة لعلهم يقبلون اعتباره مثلهم.
لا يا سيدي للإرهاب دين ودينه هذا التمييزات التي تعلل الإرهاب جوهريا.
فدين الإرهاب هو الذي يوجد في عقيدته وفي شريعته مفهوم الإرهاب وجودا بنيويا تنبني عليه رؤيته للعلاقات بين البشر على أساس عرقي أو عقدي أو طبقي أو حتى جنسي. وهذه الخاصية نجدها في الأديان التي وصفت والتي حاول الإسلام اعتبار ذلك فيها ليس منها بل من تحريفها وتوظيفها فخصص لها جزءا كبيرا من علاجه لمحاولة تطهير بعضها بمنهج التصديق والهيمنة لعله يخرج منها ما يمكن أن يوجد فيها من خير بتحريرها مما طرأ عليها من شر:
وسأكتفي بالملاحظات التالي حول الطبيعي والمنزل من الأديان المعلومة والتي تجمع على اتهام الإسلام بإسقاط صفتها الجوهرية عليه وهو البريء من كل أدوائها التي تعلل جوهرها الإرهابي:
- الدين الذي يقسم البشر إلى طبقات ثابتة أربع وأدناها طبقة المنبوذين الانتوشابل. فلا يمكن أن يكون هذا الدين مثل الإسلام الذي فيه النساء 1 والحجرات 13.
- الدين الذي يقسم البشر إلى شعب مختار وجوهيم. لا يمكن أن يكون هذا الدين مثل الإسلام الذي يعتبر كل البشر قد خوطبوا بنفس الرسالة حتى وإن تعددت شرعاتها (لكل أمة رسول بلسانها) ويعتبر الرسالة الأخيرة لكل البشر بوصفهم أخوة (النساء 1) ومتساوين (الحجرات 13).
- الدين الذي يعتبر من لا يؤمن بالمسيح ابن الله ومن لا يمر بمن يمثله أي بالكنيسة ليس إنسانا أصلا. ولا يمكن أن يكون هذا الدين مثل الإسلام الذي ينفي كل حاجة لوسيط بين الله والمؤمن أو حاجة لحكم بالحق الإلهي يكون وصيا عليه في دنياه.
- والدين الذي يزعم أنه إسلامي وهو مذهب عنصري يحرف الإسلام ليخربه من الداخل فيعتبره بحاجة إلى أسرة مختارة يتواصل بتوسطها الوحي وهي أسرة معصومة تتوسط بين الله والمؤمن وهي وصية على البشر تحكمهم بالحق الإلهي. فيجمع بذلك بين تحريف اليهودية والمسيحية.
- وأخيرا الأديان الفلسفية سواء سمت نفسها دينا أو فلسفة والتي تعتبر القانون الطبيعي (سواء كان أرسطيا المقالة 12 من ما بعد الطبيعة أو ماركسيا المادية الجدلية والصراع الطبقي على الثروة والسلطة) اساس الحرب الاهلية الدائمة بين البشر.
كل هذه الاديان والفلسفات تشترك في جعل الإرهاب اداتها الأساسية في التربية والحكم في المجتمعات البشرية لأنها تعتبر البشر متفاضلين بالعرق أو بالطبقة أو بالتحكم الطبيعي أو بالتحكم ما بعد الطبعي.
كلها تجعل الإرهاب ببعدي عنفه الرمزي والمادي أهم أدواتها بل وتذهب إلى اعتباره أداة نقل البشرية من الحيوانية إلى الإنسانية المتحضرة وبها عاملت كل شعوب الارض بما تسميه المهمة التحضيرية التي تطبقها النخب التي تدعي الحداثة معتبرة ذلك تنويرا وتحديثا فتفني شعوبا لا تراها جديرة بالحياة وتحاكيها العلمانيات العربية حكاما ونخبا.
فهم لا تعتبر التعايش بين البشر مشروطا بالأخوة والمساواة ولا تقصر استعمال القوة للدفاع حصرا بل هي تعتبرها جوهره العلاقة بين البشر بوصفهم حيوانات متنافسة على الرزق والجنس والسلطة سواء كانت فعلية أو رمزية ومن ثم فهي جميعا تتصف بما تتهم به الإسلام باطلا.
وطبعا لا أحد ينفي أن المسلمين ليسوا أبرياء من العنف والإرهاب. لكن إذ يفعلون يكونون منحرفين على الإسلام بخلاف البقية فإنهم حينما لا يفعلون يكونون مخالفين لأديانهم. ومعنى ذلك أن من يقرأ القرآن بإنصاف يعلم أن كل عدوان محرم في الإسلام في حين أنه جزء لا يتجزأ من نظرية الطبقات الثابتة والجوهيم والحاجة إلى شفيع والحاجة إلى وسطاء من أسرة أو من دين والحاجة إلى الصراع من أجل الثروة أو المنزلة في المجتمعات العلمانية المبنية على الانتخاب الطبيعي وصراع ارواح الشعوب أو الطبقات أو الاعراق أو بين الجنسين.
وختاما، فالمسلمون صاروا معقدين إلى درجة أنهم يحاولون تبرئة المجرمين لعهم يقبلون بتبرئتهم. من كان من المسلمين مجرما فلا حاجة لتبرئته. لكن لا ينبغي أن نبرئ المجرمين من غيرنا ونقول الإرهاب لا دين له: الإرهاب البنيوي موجود وهو بالجوهر ديني وفلسفي لأنه رؤية للوجود والعالم تجعلهما خاضعين للقانون الطبيعي إما بتبرير ديني أو بتبرير فلسفي. كل الديموقراطيات والعلمانيات إرهابية بالجوهر لأنها مبنية على مبدأ ترضية الناخب في الداخل على نهب ثروات الشعوب المستضعفة في الخارج. ومن يتجاهل ذلك ويقبل تهم هذه الدول فهو متواطئ معها في التغطية على الإرهاب البنيوي بالكلام على الإرهاب العرضي الذي هو في الغالب ردود فعل الضعفاء الذين لم يجدوا عدلا فاضطروا للدفاع عن أنفسهم وأخذ حقوقهم بنفس الطرق التي اخذت بها منهم. فمن يدافع عن سلبه وطنه أو كرامته أو حريته قد يدفعه اليأس إلى معاملة عدوه بالمثل: لكنه يرد الفعل وليس مجردا بالطبع مثل المعتدي عليه وعلى حقوقه وكرامته. من يغتصب بناتك هو المجرم وليس أنت عندما تدافع عنهن.