الثلاثي العجيب.. في السياسة والحكم
عبد القادر عبار
بين سبَأ والحبشة ونيوزيلندا… رغم بعد التاريخ واختلاف الجغرافيا.. صلة رحم سياسية ووشائج إنسانية وتوافق اسلامي.. جسّد ممارستها وأتقن دورها رجلٌ وامرأتان: النجاشي ملك الحبشة، وبلقيس ملكة سبأ، و”جاسيندا أردرن” رئيسة وزراء نيوزيلندا.
وبالمناسبة ثمة معلومة عجيبة وغريبة قد لا يعلمها الكثير من الناس عن “نيوزيلاندا”.. وهي أنها الجزيرة الوحيدة التي لا تعيش فيها الأفاعي.. فالقوم هناك آمنون من غدر الزواحف ومن سموم بنت الدواهي.. إلا ما كان من غدر شوّاذ البشر.
1. سيدة نيوزيلندا الأولى.. هذه العظيمة في زمن أقزام السياسة والفحلُ في قطيع خصيان الزعامات المعاصرة والتي حظيت بجاذبية عالمية نادرة.. والتي ملكت قلوبنا وأخجلتنا بإبداع مواقفها السياسية ورقتها الدبلوماسية وتعاطفها الإنساني مع الأقلية المسلمة في بلادها على اثر مجزرة المسجدين يوم الجمعة الماضي.. هذه المرأة النجم والسيدة الرمز جاءت لتمثل المكمّل المعاصر لهذا الثلاثيّ العجيب، والذين عرفهم التاريخ برجاحة عقلهم السياسي ونزعتهم الإنسانية وتعاطفهم الإسلامي..
هذه الرائعة النيوزيلندية قد لقنت الزعامات الغربية درسا هاما وبليغا وإبداعيا في الممارسة السياسية وفي فقه التعامل الحضاري والإنساني مع الأقليات. وبرهنت للعالم أنه قد يأتي باللين مالا يأتي بالقوة، وأن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما خرج من شيء إلا شانه. والسياسة تحتاج إلى كليهما.
2. وأما ملكة سبأ التي أوتيت من كل شي ولها عرش عظيم فقد أنقذت شعبها ووطنها من قبضة جيش رسالي لا طاقة لدولتها به وهو الذي لم يعرف له التاريخ الحربي مثيلا في تركيبته وتنظيمه وتجهيزه.. فلم تنخدع بدعاوي جنرالات مجلسها الحربي “نحن أولو قوة وأولو بأس شديد” ولم تغتر بتفويضهم إياها تدبير الأمر وإعطائها كل الصلاحيات لحسم الردّ المناسب على التهديد بقولهم “والأمر إليك..”.
ولما كان همّها الرئيسي ليس الحفاظ على كرسيها وتمطيط مدتها الانتخابية وإنما إنقاذ شعبها وحفظ سمعة بلدها وتأمين خيراته.. بعيدا عن عنتريات الساسة المغرورين قررت أن تتعامل بذكاء ورويّة مع القوة العالمية العظمى التي كان يمثلها الملك النبي سليمان.. فلم تخجل من أن تعلن انتماءها للإسلام الذي كان يدين به ويدعو إليه سيدنا سليمان.. “قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين”.
3. وأما النجاشي فتكفي فيه شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه “عليكم بالحبشة فإن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد” (مواطنون وأقليات).. وقد رشح الرسول الحبشة كبلد آمن حاثا أصحابه المستضعفين على الإسراع باللجوء السياسي إليها مادام يحكمها النجاشي رضي الله عنه وللعلم فإن هذا الحاكم المؤمن العادل قد توفي في مثل هذا الشهر -رجب- في السنة التاسعة للهجرة وقد صلى الرسول عليه صلاة الغائب.. كونه مات مسلما يكتم إسلامه.
وقد تعاطف النجاشي مع الأقلية المسلمة وأمّنها ووفر لها كل إستحقاقات العيش الكريم.. ورفض طلب حلفائه القرشيين تسليمهم إليهم.. ورد عليهم رشوتهم.
• فهل تكون “نيوزيلندا”.. الحبشة المعاصرة للمستضعفين من المسلمين.. وهل نرى يوما رئيسة وزرائها.. تقتفي خطى زميلتها بلقيس فتعلن إسلامها.. ؟
ان في التعريف بهذا الثلاثي الكريم وتثمين مواقفهم الإنسانية وتعاطفهم مع الإسلام والأقليات المسلمة خاصة.. بعض ردّ الجميل ومن باب قولنا للمحسن أحسنت.