مسيلمة مصر وسجاح الموسي
صالح التيزاوي
بدأت حكاية مسيلمة بكذبة، عندما ادّعى النّبوّة فصدّقه سفهاء من قومه وجاءهم بكلام تافه وساذج، يقول إنّه منزّل عليه من السّماء مثل الذي يتنزّل على النْبيّ محمّد. وانتهى به المطاف إلى أن أصبح مضرب الأمثال في الكذب، حتّى صار يقال “أكذب من مسيلمة”. سجاح هي الأخرى، ادّعت النّبوّة، وكانت مضرب الأمثال في الكذب. ووجدت سفهاء في قومها يصدّقونها. استقرّ رأيها على قتال مسيلمة لتنفرد بزعامة قومها وقومه، غير أنّ مسيلمة الكذّاب والدّاهية اختلى بها وعرض عليها الزّواج ليضمّ نبوّتها إلى نبوّته فيعلو شأنهما معا بين القبائل.
وعلى خطى مسيلمة سار السّيسي في قومه، فطلب منهم تفويضا شعبيّا من أجل إنقاذ مصر من حكم الإخوان وأعلن على الملإ زهده في الحكم، وتكفّلت مليشيات الإعلام بإخراج مسرحيّة الثّلاثين مليونا، فكان البيان الأوّل، لينطلق الحاكم العسكريّ في مذابح ومجازر لا تنتهي. أخلف مسيلمة مصر عهده، فترشّح لولاية أولى ثمّ ثانية، وبما أنّ الدستور الذي ساهمت في صياغته الرّاقصة فيفي عبدة وبعض وجوه العفن الفنّي من أمثال الهام شاهين وأحمد بدير، ووقّع عليه شهود الزّور، لا يسمح له بعهدة ثالثة غيّر الدّستور ليصبح حاكما أبديّا. وبما أنّ حالة الشّعب المصري زادت بؤسا على بؤس ولم يجد تحت حكم الإنقلاب شيئا ممّا وعدهم به مسيلمة من عسل مصفّى ومزارع من رزّ طعام للجائعين، طلع عليهم بكذبة جديدة…. هذه المرّة تنبّأ بمخاطر تهدّد مصر ولكنّ نتائجها لن تظهر إلّا بحلول عام 2060 وأقسم على ذلك بأغلظ الأيمان (وإنّي لصادق) فأصبح بقاؤه في الحكم ضرورة مستقبليّة وحتميّة تاريخيّة ليبطل مفعول تلك المخاطر دون أن يفصح عنها… وما على المصريين إلّا أن يصبروا ويصدّقوه، وإلّا فإنّه “سيحاسبهم أمام اللّه” بعد أن يسلخ جلودهم في الدّنيا. بدأ السّيسي حكمه بكذبة شأنه في ذلك شأن كلّ الدّيكتاتوريات العسكريّة منذ عبد النّاصر وتمادى في كذب أشدّ وأنكى، حتّى إذا جاء العام 2060 وبعد أن يكون السّيسي قد هلك وشبع موتا، لن يجد الشّعب المصري من يحاسب وعندها سيكتشف أهل مصر أنّ سيسيّهم “أكذب من مسيلمة”.
أمّا سجاح الموسي، فقد ظهرت هذه الأيّام على صهوة حصان لتوهم البسطاء والسّذّج من بقايا صبّابة الشعب بأنّها على خطى بورقيبة الذي لم تزره في محبسه ولم تمش في جنازته خوفا من زعيم العصابة. بدأ بورقيبة كذبة الدّولة الوطنيّة وكذبة الحداثة من على صهوة حصانه، فأوهم من حوله بأنّه الفارس الموعود، محرّر تونس من الإحتلال ومن الحكم الجائر للبايات وهو الذي سيرفع رجز الفقر والقمّل على شعبها. ولكنّ الأمر انتهى إلى دولة استبداديّة، بدّلت القبلي بالجهوي واستشرت فيها العلاقات الزّبونيّة. وهاهي سجاح تونس تسعى لإعادة إنتاج نفس الكذبة وبنفس الطّريقة البائسة دون مراعاة لفوارق التّوقيت.
لنعد إلى أصل الحكاية: مسيلمة الكذّاب أطاح به خالد بن الوليد ومات على كفره، وأمّا سجاح فيقال إنّها تابت وأسلمت وحسن إسلامها. فهل تتوب سجاح تونس عن عار السّنوات العجاف وعن المشاهد المقرفة والمقزّزة التي أثارتها ومازالت تثيرها.