قد تضطرّك البهائم للعصا..
عبد القادر عبار
في الوقت الذي انتفض فيه أحرار العالم تأثرا بمجزرة الجمعة النيوزيلاندية معزّين أهل الضحايا ومندّدين بالجريمة الشنيعة ومترحّمين على شهداء المحراب..
وتحضر فيه رئيسة وزراء نيوزيلندا عزاء ضحايا الهجوم الإرهابي بالحجاب.. وتعرب لأهالي الضحايا عن عميق أسفها لما حدث.
وتطفئ فيه بلديّتا باريس وموسكو أنوار بُرجيْهما.. كمساهمة في الحداد على ضحايا الفاجعة..
نرى أحد مراهقي الإيديولوجيات المتكلّسة عندنا، يتطاول مخالفا عُرف الذوق الإنساني ليسخر ويتهكّم ويلمز وينبز أولئك الأبرياء الذين ما تزال دماء استشهادهم طرية فوق سجاد الجامع وينعتهم بما يستحي الكريم من ذكره.. ويقول بأنهم يستحقون ما حصل.. وتكتب إحدى السفيهات بلا خوف ولا خجل ولا حياء معلنة انتسابها للمجرم قائلة “من قام بالعملية.. يمثّلني..”.
يحصل هذا جهرة ً وينشر صراحةً عبر تدوينات ساقطة وحاقدة تلوث صفحات التواصل الاجتماعي ثم لا نرى من يردع ولا من يسكت ولا من يوقف هؤلاء الشواذ عند حدّهم، ممّا يدع الحليمَ حيْران.. بينما نرى السلطات المغربية تعتقل على الفور شابا مغربيا أشاد بمجزرة نيوزيلاندا عبر تدوينة له.
نحن مع حريّة التدوين والنشر.. ولكن بذوْق وأدب.. ما لا يهدم قيَمًا ولا يناقض عُرفا ولا يشوّش على السلم الاجتماعي.
في الفقه المالكي باب هام يسمّى “سدّ الذرائع”. وهو كما يفسره القرطبي: “عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه، يُخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع”، أو بعبارة المقاصديّين: الذريعة هي التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة.. وفي المثل الشعبي “الباب اللّي يجيكْ منه الرّيحْ. سِدّهْ واستريحْ”..
الوضع يحتاج إلى تفعيل هذه الأطروحات بحزم ووعي حتى نقطع الطريق أمام المبشّرين بالفوضى والمسوّقين للاستئصال والناعقين بالتمييز الإيديولوجي والعنصري.. قبل أن يأتي يوم نعضّ فيه الأصابع أسفا وندمًا على تغافلنا وتساهلنا وتسامحنا وتستـّرنا على أورام الشرّ.
والبهائم -للاسف- قد تضطر سائسها إلى العصا ليستقيم سيرها ولا بأس برفع السوط في وجه البعير المتلكّئ والشارد حتى يلحق بالقافلة..