أين يعالج الحكّام وكبار المسؤولين ؟..
عبد اللّطيف درباله
بقطع النظر عن انتشار الفساد والإهمال واللاّمبالاة في المستشفيات التونسيّة..
وبقطع النظر عن سوء الإدارة..
وبقطع النظر عن الأخطاء الطبيّة والبشريّة..
فإنّ الواقع أنّ قطاع الصحّة العموميّة يشهد نقصا وتقصيرا وعدم اهتمام فظيع من الدولة.. يتجاوز مسؤوليّة الأطبّاء والإطار شبه الطبّي..!!
ولا يخفى على أحد منذ سنوات طويلة..
منذ عهد بورقيبة..
ومنذ عهد بن علي..
وطيلة سنوات ما بعد الثورة.. مع جميع الحكومات المتعاقبة..
لا يخفى على أحد أنّ المستشفيات العموميّة تشكو سوء الإدارة..
وتشكو نقصا مريعا في الإمكانيّات الماديّة والماليّة..
وتشكو نقصا فادحا في الإطارات الطبيّة والبشريّة.. إزداد تفاقما في السنوات الأخيرة مع تزايد موجة الهجرة للخارج..
وتشكو نقصا مدهشا في التجهيزات والمعدّات..
تونس دولة لا تهتمّ بصحّة مواطنيها..
دولة تبذّر عشرات المليارات في سوء تصرّف فاضح.. ولا تخصّص مثل ذلك المال المهدور عبثا لتوفير ما ينقذ حياة المواطنين.. وما يخفّف آلامهم.. وما يحقّق لهم الصحّة والعلاج.. مع مراعاة كرامتهم وراحتهم وإمكانيّاتهم الماديّة..
ماذا يدهش في وفاة 11 رضيع بقسم إستشفائيّ.. عدا عن أنّ الموت جاء بطريقة جماعيّة.. وفي وقت قياسيّ خلال 24 ساعة فقط..؟؟!!
فالواقع أنّ سوء إدارة مرفق الصحّة العموميّة يتسبّب في كلّ سنة في وفاة عشرات الرضع والأطفال.. وليس 11 فقط..!!!
ويتسبّب في وفاة عشرات النساء الحوامل..
ويتسبّب في وفاة مئات الرجال والنساء من أبناء تونس.. بأمراض قد لا تكون مميتة أصلا.. لولا تأخّر العلاج أو إنعدام العناية الطبية أو فقدان التجهيزات والمعدّات والأدوية.. في قطاع الصحة العموميّة.. لمواطنين لا يملكون إمكانيّات العلاج في المصحّات الخاصّة باهظة التكاليف..!!!
ويمرّ سقوط مئات ضحايا كارثة الصحّة العموميّة في تونس سنويّا في صمت.. مخلّفا فقط مرارة في أنفس عائلات وأهالي ضحاياه..
وبخلاف انعدام كفاءة الحكومات المختلفة قبل وبعد الثورة..
وبخلاف فشلها وعجزها عن إصلاح الأوضاع.. أيّا كانت الأسباب.. وأيّا كان المسؤول عن ذلك..
فإن السبب الرئيسي لتواصل سقوط الضحايا وعذابات المواطنين جرّاء كوارث الصحّة العموميّة هو أن الحكّام والمسؤولين لا يزالون يتمتّعون بالعلاج هم وعائلاتهم في المؤسّسات الصحيّة الأجنبيّة خارج البلاد التي يحكمونها ويديرونها ويحدّدون مصائر الناس فيها..!!
وإن حصل وخضعوا للعلاج في تونس عند إصابهم بأمراض عاديّة وغير خطيرة.. فإنّهم يتمتّعون بالعلاج في المؤسّسات الصحيّة المميّزة مثل المستشفى العسكري بالعاصمة.. أو في أقسام خاصّة ببعض المستشفيات الكبرى.. أو في المصحّات الخاصّة..!!!
إذا أردتهم أن ينصلح حال الصحّة العموميّة تماما.. رأسا على عقب.. يجب إقرار وجوبيّة أن يعالج الحكّام من رؤساء ووزراء وسائر أعضاء الحكومة وكبار المسؤولين.. في المستشفيات العموميّة هم وعائلاتهم وأبنائهم.. وسترون حينها العجب العجاب.. وكيف ستتغيّر حالة المستشفيات العموميّة بمائة وثمانين درجة خلال خمس سنوات فقط لا غير..!!!