تدوينات تونسية

بعد ثماني سنوات من الثورة عدت إلى التحقيق الأمني من جديد

لطفي حجّي

اليوم الاثنين 4 مارس 2019 تم التحقيق معي بمقر الإدارة الفرعية للقضايا الإجرامية بحي الخضراء بوصفي الممثل القانوني لمكتب قناة الجزيرة بتونس.

هذا التحقيق هو الأول الذي أخضع له منذ الثورة، والشاكي هو وزير الداخلية السابق لطفي براهم الذي تقدم بشكوى ضدي وضد الصحفي الفرنسي “نيكولا بو” ومجموعة من المدونين وكل من سيكشف عنه البحث. أنا مدان في رأي براهم لأنني أنجزت تقريرا صحفيا انطلاقا مما أورده “بو” على موقع موند افريك الذي يديره من باريس حول علاقة براهم بالإمارات وإمكانية تورطه في مخطط انقلابي بدعم إماراتي.

ما شد انتباهي ليست شكوى براهم فقد يكون الوزير السابق يحلم بعودة سياسة تكميم الأفواه ويتجاهل ان العالم تغير. و قد يكون الوزير لم يدرك أيضا أنني صحفي محترف اتقن جيدا الفصل بين الخبر والموقف وتوجيه الاتهامات.

لكن ما شدني فعلا وما جال بخاطري وآسرني طول الوقت، هي المقارنة بين بحث الأمس وبحث اليوم.. اليوم كنت مرفوقا بالمحاميين الأستاذ العياشي الهمامي المناضل الحقوقي رفيق الدرب، والأستاذ منذر الشارني القيادي بالجمعية التونسية لمناهضة التعذيب والذي كلفته بقضيتي النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين مشكورة.

أما بالأمس فكنا نختطف من الطريق، أو نجلب من بيوتنا عنوة رغم صرخات أمهاتنا وتوسلاتهن للأمنيين بان يتركوا سبيلنا، كانت العبارة التي يرددونها جميعا ولا تكف عن الرنين في آذاننا هي: “ما تخافش يا حاجة والله ربع ساعة ويروح” وكل معتقل وحظه، فالربع ساعة يمكن أن تتمدد في الزمن الى اشهر أو إلى سنوات طويلة.. ويتم البحث الأمني تحت التهديد والوعيد وحدث أن تم معنا تحت التعذيب..

ماذا يمكن أن أقول كاستنتاج للمقارنة بين الأمس واليوم؟.. هل أقول أن البحث الأمني فقد “رونقه” وبدا أشبه بمقابلة إدارية تحت حماية قانونية للمحامين كما قلت لمرافقي مازحا؟ وهل نحمل بداخلنا بذور مازوشية حتى نحن لتلك الأجواء العنيفة للتحقيق الأمني التي اكتوى بنارها السجناء السياسيون وسجناء الحق العام على حد سواء؟ أم اشكر الثورة التي حققت هذا المكسب فمكنت المواطن من كرامة فقدها على امتداد ستين سنة؟.

بالتأكيد سأشكر الثورة رغم قناعتي بأن الطريق لا تزال طويلة أمام تفعيل عقيدة أمنية تلبي تطلعات الثورة فعلا، وأمام تحقيق مطلب الاستقلال الشامل والفعلي للقضاء بما يطمئن المواطن ويدفعه للاقتناع بأنه لا رجعة فعلا لممارسات الاستبداد ولسياسة المحاباة والانتصار للأقوى بأوامر سياسية أو لاعتبارات أخرى.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: