خارج سياق الثّورة واستحقاقاتها
صالح التيزاوي
شرع هذه الأيّام نوّاب الشّعب في مناقشة تقرير لجنة الحرّيات الفرديّة والمساواة أو “لجنة التّسعة” كما يسمّيها البعض. ومن العجيب أنّ النّواب الذين اجتمعوا تحت قبّة البرلمان، لطالما تبادلوا التّهم، حول من حاد عن أهداف الثّورة. وقد وصل الأمر إلى حدّ التّخوين والإتّهام بتنفيذ أجندات خارجية. وبمناسبة اجتماعهم لمناقشة التقرير، نودّ أن نسألهم جميعا (موالاة ومعارضة)، هل كانت “المساواة في الميراث” مطلبا من مطالب الثّورة؟ لماذا لم تجتمعوا لتدارس غياب المساواة بين الجهات في حظوظها من التّنمية؟ ولماذا فشلتم في اقتراح الحلول؟
أمّا أعجب العجب، فإنّ إحدى أعضاء اللّجنة، كانت قد حضرت ليلة أربعطاش جانفي سويعات قبل هروب المخلوع مع غلام الطرابلسيّة في ملفّ تلفزي وقالت بأنّها “تثق في كلام بن علىّ”. واليوم يجتمع مجلس نوّاب الشّعب ليناقش تقريرها!!! فهل أصبحت تلك وأمثالها يحدّدون للثّورة أهدافها وأولويّاتها ؟ ثم إن كانت هي “تثق في كلام بن علي”، أليس من حقّنا نحن الشّعب التّونسي العربيّ المسلم أن نثف باللّه وبتشريعه؟
يقول “التّسعة” الذين أعدّوا التّقرير بأنّهم تقصّوا الأحكام المخلّة بالحقوق والحرّيّات الفرديّة والمساواة. فعثروا على “ثغرة” في التّشريع، يعطي “للذّكر مثل حظّ الأنثيين”!!!
على امتداد التّاريخ الإسلامي لم يتفطّن علماء الأمّة إلى تلك “الثّغرة” وتفطنت لها “لجنة التّسعة”!!! وكلّفت نفسها عناء سدّ تلك الثّغرة بتغيير نصّ قطعيّ الدّلالة، استقرّ المسلمون على تطبيقه منذ أكثر من 1400عاما…
كما اكتشفت اللّجنة أنّ هناك إخلالا بحقوق المثليين، وحتّى تقتحم تونس عصر الحداثة، وجب إلغاء تجريم المثليّة الجنسيّة!!! فهل كانت حقوق المثليين من مطالب الثّورة؟
لو أرادوا المساواة حقيقة وسعوا لها سعيها لوجدوا أنّها غائبة عن هذا الوطن منذ الحقبتين البورقيبيّة والنّوفمبريّة، لا تخطئها العين. وكان ذلك من أسباب اندلاع ثورة الحرّية والكرامة…
1. غياب كامل للمساواة بين الجهات في التّنمية…
2. إخلال فادح وفظيع بحقوق المرأة الرّيفيّة العاملة في القطاع الفلاحي…
3. إخلال بحقوق الشّعب التّونسي في ممارسة سيادته على ثرواته (الملح والنّفط وماخفي أعظم) التي فرّط فيها بورقيبة لمصلحة المستعمر الفرنسي بموجب عقود طويلة الأمد، تتجدّد آليّا بمقابل لا يتجاوز بعض الفرنكات، وهو ما أضرّ بمصالح الشّعب التّونسي. وقد نسج على منواله مجرم السّابع من نوفمبر، وتواصل النّهب حتّى بعد الثّورة…
جدير بالذّكر أنّ من بين الإعتراضات التي يقدّمها أنصار الحداثة القشريّة على خصومهم من الإسلاميين: أنّهم يحبّذون معارك الهويّة وأنّهم يتاجرون بالإسلام… وبنفس منطقهم، أليس طرح مثل هذه المبادرة التّشريعيّة، قبل أشهر من الإستحقاق الإنتخابيّ، جرّا للمجتمع باتّجاه معارك الهويّة ومتاجرة بحداثة، علم اللّه أنّها لو كانت حقيقيّة لهان الأمر!!!