بعد هدوء العاصفة
ليلى حاج عمر
فرح كبير اليوم وشعور مريح بالخروج من النفق وإحساس بالفخر كاد الأستاذ يفقده نتيجة دوّامة إعلامية لعبت بالرّأي العام وعصفت بالعقول ولكنّها لم تنجح في تفتيت القطاع.
في رأيي أنّ:
• فرض زيادة بـ 20 بالمائة في ميزانية المؤسّسات التربويّة منجز تاريخيّ في ظلّ خيارات دولة تتوجّه نحو الحلول الليبيرالية والخوصصة، وتسعى إلى التحرّر من العبء الكبير الذي تمثّله المدرسة العمومية بتسليمها لرؤوس أموال خاصّة لا تملك رؤية تربويّة ومعرفيّة بقدر ما تسعى إلى الرّبح وفق منطق البزنس، وتتجاهل أنّ العام يظلّ في دولة غير قويّة يسود الفقر فيها فئات كثيرة مجال استراتيجيّ هام مثله مثل الصحة والنّقل.. لا يمكن أن نهبه كلّه للمؤسّسات الخاصّة لتحويله إلى سوق تجارية.
• منجز تاريخي آخر هو الاعتراف بالتعليم مهنة شاقة وسيرد هذا الاعتراف بالرائد الرسمي. وتبعا لذلك يصبح فرض التقاعد على قاعدة 35 سنة عمل مكسبا هاما يحمي الأستاذ الذي تستنزف قواه بمرور آلاف التلاميذ عليه من وضعيات مهينة قد يعيشها في صورة بقائه حتّى سن 62 وهو الترفيع الذي تسير إليه الدولة اليوم.
• بعيدا عن الخلاف حول مسألة المنح، تظلّ مسائل كثيرة عالقة بانتظار تحويلها إلى محاور نقاش جدّي بين الجميع، ومنها هذا التجريب الذي يحدث ارتباكا كبيرا في التعليم، والزّمن المدرسيّ الذي يفوق طاقة تحمّل التلميذ، والمحتويات غير المحيّنة، والطّرق المتخلّفة في التدريس، والمقاربات المفروضة من قوى تتدخّل في تعليمنا الوطني وتسعى إلى احتكاره، وتبني إنسانا قد لا نعرفه في يوم من الأيّام، والدروس الخصوصية، والمعوّضون الذين يشتغلون دون تأجير ودون تكوين يضمن نجاعة الدرس، والامتحانات نفسها التي تحوّلت في المخيال الجماعي إلى حالة طوارئ عامة، وأيضا كيفية مواجهة منظومة التفاهة والرداءة خارج التعليم.
ضغط الأساتذة المثقفين بالنقد وتقديم المقترحات أفضى إلى رفع سقف المطالب عاليا ليصبح دفاعا عن التعليم العمومي، ولعلّ المرحلة القادمة تقتضي طرح أسئلة حول فلسفة التربية والتعليم في تونس الذي لا أراه ينفصل عن تصوّر مجتمعي ثوريّ كبير يحتاج إرادة وفعلا خارقا من أجل صياغته صياغة مشتركة وحرّة.