البهائيون يقدمون أنفسهم على أنهم هم الأمل والمستقبل للبشرية ؟ !
نوفل سلامة
في ندوة الاقليات في مؤسسة التميمي :
القصص تقريا متشابهة والطريق الذي حملهم إلى إعتناق الفكر البهائي هو نفسه والتجربة تكرر ذاتها مع كل الذين تحدثوا عن تحولهم إلى البهائية هذا هو الانطباع العام الذي نخرج به بعد الاطلاع على قصص الكثير من البهائيين وهي نفس القصة التي قادت ضيف مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات السيد جمال الشريف إلى اعتناق المذهب البهائي والذي نزل محاضرا في ندوة ” الأقليات ووضعها القانوني والاجتماعي في تونس ” التي أقيمت يوم السبت 19 جانفي الجاري وهي ندوة تندرج ضمن محاولة المؤسسة الانفتاح على قضايا اجتماعية مختلفة وفتح ملف الاقليات في بلادنا بعد أن كان هذا الموضوع في زمن الاستبداد من الممنوعات ومن القضايا التي لا يجوز التحدث فيها.
بعد أن تعرض السيد جمال الشريف إلى مسيرته في البحث عن حقيقة وجوده وكيف كان السؤال الذي أرهقه هو البحث عن الحقيقة وكيف قاده بحثه من الالحاد إلى الإيمان وكل المسيرة التي استغرقت سنوات طويلة وهو يبحث عن حقيقته وكيف كاد بحثه أن ينتهي به إلى اعتناق الدين الإسلامي لولا أن القدر قد غير وجهته نحو الفكر البهائي ليصبح من أحد أتباعه الفاعلين.. بعد هذه التجربة في البحث عن الحقيقة وتحوله إلى حظيرة الإيمان ووصوله إلى الحقيقة التي كان يبحث عنها باعتناقه البهائية الدين الجديد حيث يعتقد البهائيون أن البهائية هي دين كغيرها من الأديان التي عرفتها البشرية.. بعد ذلك قدم المحاضر نبذة تاريخية عن ظهور البهائية في العالم وظروف نشأتها والعوامل التي أثرت في بروزها فقال إن أصل النشأة والفكرة التي تأسست عليها البهائية هي عقيدة المهدي المنتظر الذي سوف يأتي في آخر الزمان ويمهد الطريق لظهور النبي المرتقب السيد المسيح الذي ينشر العدل والخير فوق الأرض ومن هذه الفكرة تقدم البهائية نفسها على أنها دين جديد يخضع لمنطق التداول الحضاري وقانون دورة الحضارات بما يعني أن الأديان كالحضارات لها حياة ولها بداية ونهاية وأن البشرية في مرحلة معينة تحتاج إلى إيمان يتماشى مع ظروفها وواقعها وما وصلت إليه من معارف ويستجيب إلى ما بلغته من تطور وتقدم لذلك كانت البهائية هي الدين الذي يفرضه وضع البشرية في حاضرها وعصرها وهي الأمل الذي تحتاجه الانسانية في مستقبلها بعد أن عمت الفوضى والشرور والحروب العالم فكانت البهائية هي الدين الذي فرضه قانون ومنطق استخلاف الحضارات وتداولها.
وكما هو معروف فإن البهائية ظهرت في إيران في أواخر القرن التاسع عشر وتقول المصادر التاريخية أن لها علاقة بالعقيدة البابية الذي بشر زعيمها محمد علي وهو من أشراف إيران بقدوم رسول جديد يحمل رسالة جديدة لهداية البشرية وبمقدوره أن يحدث تحولا في حياة البشر الروحانية وأن يغير وجه العالم فكان هذا الموعود بالنبوة هو حسن علي النوري الملقب ببهاء الله الذي أعلن نفسه المهدي المنتظر وكان عمره وقتها 25 سنة في مدينة شيراز في 23 ماي 1844 ومنها غادر نحو بغداد وهناك أعلن عن فكرته ورسالته المتمثلة في إعداد البشرية لمواجهة مصيرها الذي أراده الله لها والتبشير بنظام عالمي بديل عن النظام الحالي يقوم على تحقيق السلم العالمي والوحدة بين البشرية ونبذ الحروب والاقتتال.
تحدث المحاضر على المعاناة التي تعرض لها أتباع البهائية على أيدي السلطات الايرانية التي نكلت بهم واعتبرت فكرهم إنحرافا عن الإسلام وخطرا على تعاليمه وتهديدا للإيمان فتم تتبعهم أينما حلوا خاصة بعد أن صنفوا جماعة هدامة تعمل لصالح الصهيونية والماسونية العالمية لتفتيت العالم الإسلامي والعمل على تقسيمه بنشر الفتنة بين أتباعه بمثل هذه الأفكار عن المهدي المنتظر وظهور دين جديد ورسول آخر بعد خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم.
البهائية تقدم نفسها على أنها مرحلة متقدمة عن كل الأديان وعن الدين الإسلامي وأنها قد تداركت النقص أو الأخطاء الموجودة في الديانات السماوية الأخرى التي جاءت قبلها لذلك كان فكرها مزيجا من تعاليم الكتب السماوية وما وصلت إليه الإنسانية من تقدم علمي ومعرفي وما حققه العقل البشري من نظريات وفلسفات في الحياة والأخلاق وكل ذلك جعلها تقدم نفسها على أنها الحل أو البديل لأمراض البشرية ومخرجا لضعفها فهي وإن كان منطلقها إيمان موجود عند الشيعة ودعوة خارجة من رحم الإسلام وأفكاره إلا أنها قد خرجت عليه واعتبرت نفسها بديلا عن الإسلام وقدمت قراءة وفهما وتأويلا جديدا للكثير من آيات القرآن فالبهائية وإن كانت تعتقد في وجود الله ووحدانيته إلا أنها لا تعتقد في وجود جنة ونار ولا حساب ولا عقاب ولا حشر ولا يوم قيامة ولها طقوس وعبادة خاصة بها وتقوم بتأويل كل النصوص الدينية حول هذه المسائل تأويلا باطنيا يقربها مما تقوله الصوفية وتأويلها للقرآن على غرار تفسيرها لآيات القيامة التي تؤلها على أنها ليست يوم الحشر والحساب كما يعتقده أصحاب الكتب السماوية وإنما القيامة عند البهائية هي في ظهور الدين الجديد وقيام “بهاء الله” بمهمة الرسالة الجديدة وهي توحيد البشرية تحت راية واحدة وتنظيم واحد وقيادة واحدة من أجل السلام والخير والعدل.
في هذه الندوة تم توجيه الكثير من المآخذات للمحاضر ولما قدمه من أفكار ومن بين هذه المآخذات ما تمت نسبته إلى الزعيم الحبيب بورقيبة من كونه لما حلّ في مرحلة الكفاح الوطني بمصر قد اكترى منزلا لرجل يعتنق الفكر البهائي ومن خلاله تعرف على البهائية وتأثر بتعاليمها التي أصبحت فيما بعد برنامجه السياسي والاجتماعي حول المرأة والتعليم والتنظيم العائلي والصحة العائلية والموقف من الجيش الذي لم يراهن على تسليحه والكثير من القضايا الأخرى التي أخذها عن البهائية فالرئيس بورقيبة هو الرئيس العربي الوحيد الذي همش الجيش وانتصر للمساواة. ما ذكره المحاضر عن بهائية الرئيس بورقيبة هي مسألة مفاجأة وغير متداولة وغير ثابتة فما هو معروف عن الراحل بورقيبة هو انتماؤه للماسونية أما أن يكون بهائيا فهذه مسألة ليس لها سند ولا دليل. والقول بأن بورقيبة أخذ فكرة تحرير المرأة ومساواتها بالرجل عن البهائية هو قول فيه إنكار لكل الجهد الذي بذلته الحركة الإصلاحية التونسية بدءا بخير الدين ومرورا بالطاهر الحداد وانتهاء ببورقيبة وهي مسيرة طويلة خاضها العقل التونسي من أجل مجتمع أفضل ووضع إجتماعي متطور وفي كل ذلك ليس صحيحا أن الرئيس بورقيبة قد تأثر بالفكر البهائي حتى يضع برنامجه التحديثي للمجتمع التونسي.
من القضايا الأخرى التي نوقش فيها المحاضر مسألة ظهور الإدارة والمؤسسات حيث يدعي المنتسبون للبهائية أن الفضل يعود لها في تركيز تنظيم إداري في الديانات من خلال التنظيم الهرمي الذي وضعته وطريقة انتخاب ممثليها ومن يهتمون بإدارة شؤون أتباعها واعتمادها الإنتخاب على الأشخاص وإتباعها الديمقراطية التشاركية فهذا الإدعاء لا يصمد كثيرا أمام حقائق التاريخ حيث أن كل الديانات تقريبا تعمد تنظيما إداريا لإدارة شؤون المؤمنين وتنظيم المدينة التي يعيشون فيها فلو عدنا إلى الدين الإسلامي مثلا لوجدنا أنه أسس تنظيما إداريا متقدما في القضاء والتجارة والأمن من خلال مؤسسة قاضي المظالم ومؤسسة الحسبة وبين الزكاة وغير ذلك من التنظيمات الادارية الأخرى.
ويبقى أهم نقد وجه إلى البهائية هو ارتباطها بالصهيونية وعلاقتها بالمسألة اليهودية فالكثير من الدارسين للفكر البهائي ينسبون إلى البهائية أنها صنيعة اليهود وأنها فكر هدام غايته تفتيت العالم الإسلامي ونشر فكر القبول بالإستعمار والتخلي عن مقاومة المحتل ولعل هذا ما يفسر القبول الذي تلقاه لدى اليهود والتسهيلات التي يلقاها أتباعها أينما حلو في مختلف بلدان العالم.
ما يمكن قوله بعد الاستماع إلى ما قاله السيد جمال الشريف حول المسألة البهائية هو أن الإشكال الكبير الذي أحدث كل القلق الذي رافق المحاضرة هو تقديم البهائية على أنها دين سماوي وأن زعيمها هو رسول موحى إليه والحال أنه من خلال ما استمعنا إليه من أفكار يمكن القول بأن البهائية هي فلسفة أو نظرية للوجود والحياة تقترب من الكونفوشيوسية أو البوذية وتبتعد عن معنى الدين فلو قدمت البهائية على أنها نظرية فلسفية لكان الأمر مختلفا وكان التعامل معها بكل هدوء وتقبل ولما عرفت المحاضرة كل ذلك التشنج الذي رافقها ولكن لما قدمت على أنها دين جديد بعد الإسلام خاتم الأديان فقد أحدث كل ذلك الرفض والصد الذي عرفته ندوة مؤسسة التميمي حول البهائية التي لا نعرف عنها شيئا في تونس فيما يتعلق بعددهم وطريقة تمويلهم وكيفية إنتظامهم وغير ذلك من الأمور الغامضة والتي لا نعلم عنها شيئا.