نور الدين الغيلوفي
كلاب فقدت أسيادها..
هل رأيتم كيف يفعل كلبٌ غاب سيّدُه؟
كانوا في عهد النظام البائد يتسلّلون في الظلام يرفعون أميّتهم برسائل يكتبونها في القوادة مهنتِهم الوحيدة.. بقوادتهم (بمعنييها) وحدها عمّر نظامٌ رئيسُهُ جاهلٌ أغلى ما فيه حذاؤه العسكريّ الذي تركه عند آخر مهمّة كُلّف بها قبل أن يُرجَم به الشعب التونسي ليقعد على أنفاسه ربع قرن من الزمان كأنّه جاء ينفّذ بعض لعنات السماء…
هؤلاء القوّادون كانوا يتسلّلون عبر مسالك الليل حتّى ينجزوا مهمّتهم.. وكان من مهمّتهم أن ينامَ سيّدهم ملء جفونه وأن يسهروا في حراسته كلابًا لا تتحرّك إلّا بإذنه مدرَّبةً على الصوم عن النباح لأنّ للنباح أثرين لا يرضى بهما الوليُّ المُنْعِمُ:
1. أن يثير سكّان القصر فيذهب عنهم النوم.. ومن وظائف الكلاب أن تسهر على نوم سادتها لا أن تقضّ مضاجعهم…
2. أن ينتبه لنباحها المقهورون فيعدّلوا جلستهم ويسكتوا عن الكلام.. والكلام غير مباح.. ولن تجد الكلاب عندها لها أمرا ترفعه ولا شيئا تنبحه…
تلك الكلاب نفسُها التي كانت لا تتحرّك إلّا في الزوايا المظلمة جادت عليها الثورة بالأضواء فهي تأتينا كلّ ليلة بعوائها الذي لا يتوقفّ.. وجوه سافرة وعواء لا ينتهي.. كأنّها تثأر من طويل فقدانها للأضواء ومن منع النباح عنها.. ظاهر أمرها تنبح الثورة وأهلها وهي في الحقيقة إنّما تعوّض عن تاريخها الغارق في الظلام كأنّها تكتشف صُوَرَها وأصوات عوائها لأوّل مرّة.. إنّها تنبح تاريخها وما ضاع من نباحها..
دعوها للعواء وادّخروا الحجر.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.