عودة الإنتداب.. ممانعة "تنتصر" بالمظلة الروسية أمريكية
أبو يعرب المرزوقي
حدثان خادعان سأضطر للتعليق عليهما بسبب الضجيج الدائر حولهما بين طبالة الملالي والممانعة التي لم يعد يصدقها إلى مليشيات القلم العربية:
- انتصار الملالي وجزار سوريا المزعوم
- التطبيع بين الانظمة العربية المنتسبة إلى الثورة المضادة وما يزعم التجربة الثورية الناجحة في تونس.
ولن أتكلم على الأنظمة العربية التوابع للثورة المضادة إما لحاجة للرز أو لحاجة لوساطتها مع المقاطعة لأنها كانت تدعي الانتساب إلى الإسلام السياسي مثل السودان ولا كذلك الأنظمة التي تدعي الارتباط بعلاقات متميزة مع نظام بشار مثل الجزائر لأنها جميعا خاضعة لصفة مشتركة سيعجب لها الكثير.
وسأبدأ بتقرير هذه الصفة التي قد لا يصدقها أحد رغم أني سبق أن صغتها وظن الكثير أني أبالغ في وصف الانظمة العربية سواء الحاكمة أو المعارضة وسواء المنتسبة إلى الثورة المضادة أو التي تدعي الانتساب إلى الثورة. وهذه الصفة هي اعتبار ما يسمى بالوطن العربي “فلسطين” كبرى بأقسامها الثلاثة.
فما يسمى منها دولا لا تختلف عن الضفة. وما يسمى منها معارضات ذات أفق متجاوز لسايكس بيكو دون أن تكون مختلقات مخابراتية مثل داعش بكل أشكالها لا تختلف عما تحاول حماس القيام به لولا علاقتها غير الواضحة بالملالي والتي تعللها بالضرورة التي تبيح المحظور لتخلي العرب عنها.
وفلسطين الشتات في الغرب ومعهم فلسطين التي صارت جزءا من إسرائيل (فلسطينيو إسرائيل) الذين يتمتعون بما يسمح به الوجود في الغرب أو في ما يشبهه ولو في الظاهر وهم الوحيدون الذين يمكن اعتبارهم ممثلين لمستقبل حركة التحرير العربية التي لا يمكن أن تقبل بسايكس بيكو دون تحديد لما تريد.
وبهذا المعنى فالكلام على التطبيع سواء مع إسرائيل أو مع من يدين لها بالوجود أعني مجرم الشام ورئيس القاعدة الإيرانية في لبنان وفي اليمن لا يختلف عنهم أحد من الأنظمة العربية بمن في ذلك الانظمة التي تدعي المشاركة في ثورة الربيع العربي: سقف مشاركتهم حكم المحميات هو سقف الضفة الغربية.
وقد أزعم أن الضفة الغربية تبدو أكثر استقلالية لانها ما تزال تقاوم ولو بالمقاومة الشعبية والدبلوماسية شرطا في بقائها ولو بالقدر الضئيل ممثلة لإرادة شعب لم يعد له ما يخسره ومن ثم فهو لن يتخلى عن المقاومة في حين أن بقية الأنظمة ومعارضاتها طامعة في المشاركة في حكم المحميات العربية.
لذلك فالكلام على التطبيع سواء مع إسرائيل أو مع جزار الشام ليس حدثا إلا عند من يصدق أن مقاطعة إسرائيل كانت موجودة وأنها بدأت بسبب الثورة المضادة بعد الربيع لأن أصحابها يزعمون محاربة إيران لكأن إسرائيل تختلف عن إيران حتى وإن كان هذه أخطر من تلك لأنها لا تكتفي بالأرض بل تريد السيطرة على الروح.
لذلك فلن أضيع وقتي في الكلام على التطبيع: فحتى في عصر العنتريات الناصرية والصدامية والقذافية كان التطبيع جاريا بدليل أن القذافي الذي هو أكثرهم عنتريات كان يجري لوساطة إسرائيل كلما “زنق” وتبين ذلك خاصة في الربيع عندما ذهب إلى أكثر من ذلك معها ومع الأوروبيين تخويفا بالإسلاميين.
ولو كان له ذرة من ذكاء لعلم أن لإسرائيل وأوروبا وأمريكا من بين هؤلاء من هم أحوج إليهم منه وقد يكونوا أفضل لهم حتى بمنطق تبديل السروح فيه راحة: ذلك أن كل من له طمح في الحكم ولو على خربة لا يستطيع الوصول إليه إلا إذا رضوا عنه وقدم دلائل الطاعة سواء مباشرة أو بتوسط التقرب من لوبياتهم في أمريكا.
ما يعنيني هو الكذبة الثانية: انتصار صف الممانعة المزعوم أي الملالي ومجرم دمشق ومليشيات إيران العربية وغير العربية. فهذه الكذبة لا يصدقها حتى “أبو سعدية” أي غبي القرية. فأي انتصار لحلف مؤلف من خمسة قوى هي:1-النظام 2-حزب الله والمليشيات الأخرى 3-الحرس الثوري المزعوم 4-بوتين.
ومع ذلك فالعامل الحاسم ليس أيا من هؤلاء بل 5-حاجة إسرائيل للمحافظة على حراس حدودها والإبقاء على عاملي منع ما تتصوره هي والغرب الخطر الحقيقي أي:
1. نجاح الخطوات الأولى نحو الاستئناف والعودة إلى الدور الكوني في تاريخ العالم.
2. وتجاوز ما لأجله وجدت سايكس بيكو وإسرائيل والأنظمة العميلة في المحميات العربية من الماء إلى الماء دون استثناء.
ومع ذلك فالمعركة لم تحسم بعد. ورغم ما أحاط بالثورة في الشام ورغم الاختراقات ورغم أمراء الحرب ورغم خيانات الأنظمة لها فإنها ما تزال قادرة على الصمود أكثر من المدة التي مرت لأن الظرف بدأ يتغير ودور إيران وروسيا في الأقليم لم يعد الغرب يحتاجه بعد التجريف الذي ظنوه حقق المبتغى.
فالشيء الثابت عندي أن عباس في الضفة أكثر “سيادة” من بشار في سوريا بل وأكثر “سيادة” من كل حكام العرب الآخرين من الماء إلى الماء. فهو على الأقل له شعب عنده قضية هي عين وجوده. أما البقية فقضيتهم هي البقاء على كراسي المحميات غوافير لا يبقون إلى بتقديم القرابين لإسرائيل وراعيتها.
ولا شيء يضحكني حقا عندما أسمع بعض طبالي الملالي والقوميين في تونس وفي غيرها يزعمون أن بداية التطبيع العلني مع بشار دليل انتصاره وانتصار الممانعة المزعومة. اي انتصار لبلد صار خاضعا لخمسة محتلين ويحارب حتى من يحاول أن يساعده على حماية وحدة بلده؟ منتصر لا قول له في شيء مما يتعلق بـ”دولته” بعد أن صار حبيس سجن حراسه مليشيات إيران وشرطة روسيا.
ورئيس مليشيا في قاعدة إيرانية يصدع آذاننا بتعداد ما لديه من صواريخ لم تبق لها أدنى صلوحية لأنها مهما كثرت أول حركة في استعمالها ضد إسرائيل تعني نهايته وهو لا دور له عدى كونه ورقة في مفاوضات إيران لضمان بقاء نظامها مثل كوريا الشمالية. لكن روسيا عند الجد تابعة للمافية الصهيونية.
ولولا جبن سنة لبنان وترفهم وإخلادهم إلى الأرض ولولا الحلف الخفي بين بقايا الصليبية في بعض مسيحي لبنان وبقايا باطنية الفاطميين والحشاشين لما أمكن لعميل إيران أن يؤسس قاعدة في بلادهم تحت تهديدين مادي وقيمي:
1. فالمادي القبول بتسليح مليشيا فوق ما يسمونه دولة.
2. والقيمي إسقاط صفتيهما على السنة العمالة والطائفية.
فمن يقاوم هذا التسلط يتهم بالعمالة لإسرائيل وبالطايفية وهما الصفتان الاساسيتان لحزب الله الذي هو من بقايا الباطنية والحشاشين ولحلفائه من بقايا الصليبية لأن دورهم مثله مثل دور إيران ومنذ بداية دولة الإسلام هو منع عودتها من جديد وهذا بشهادة بريمر الذي تكلم على الحلف معهم.
ولست بحاجة إلى طويل استدلال على ما اقول لبيان من يخافه الغرب وإيران وإسرائيل وبوتين: فشل ما تصوروه ضربة قاضية بعد الحرب العالمية الأولى وبداية تعافي الامة واستعادة الطموح التاريخي الكوني لاستئناف دورها العالمي. لنا في ما قالته ممثلة أوروبا للقبول بالانقلاب في مصر.
ولا أحتاج لإضافة ما يخططونه لتركيا. فالكل يعلم من أعد للانقلاب ومن نظم الحرب على الليرة ومن يحاول الآن جر تركيا لحرب تنهكها كالتي جروا إليها السعودية. وما التطبيع مع مجرم دمشق إلا لهذا الغرض: ضرب الأتراك بالعرب مرة أخرى كما حصل بعد الحرب العالمية الأولى. ومعهم الآن علمانيو الكرد وباطنية إيران وصليبية بعض مسيحي الشرق.
وكل من يتعامى على هذه البينات التي لا يجادل فيها ذو عقل سليم فهو ممن وصفت: يلهث وراء كرسي. وكلهم لا يختلفون عن أحمق بلد الحرمين. ذلك أن الجميع يعلم وخاصة من يزعمون الانتساب إلى ثورة الشباب بجنسيه أنهم لن ينصبوا على الكراسي إلا إذا أصبحوا من جنس بشار والسيسي وحفتر وحكام بغداد.
وختاما: فالشرط في القبول بهم هو قبولهم بأكثر من سايكس بيكو. حان الأن وقت جعلهم توابع للصهيونية والمسيحية الصهيونية وضرب كل بلد عربي أو مسلم سني في الاقليم يمكن أن يكون نقطة بداية للاستئناف سواء كانت مصر أو تركيا أو السعودية أو الجزائر بعد أن قضوا على العراق.
وما لم تعلن الثورة صراحة أنها ليست ثورة قطرية وأنها لم تعد تعترف بسايكس بيكو أن طموحها اخراج الإقليم من وضعية “فلسطين الكبرى” التي تنقسم إلى الضفة وغزة وفلسطين الداخل. فلا معنى للكلام على الإخلاص للوطن أو للإسلام أو حتى للكرامة الإنسانية بصورة عامة. فنحن في محميات محاشد تابعة.
فبهذه الأنظمة فتت الاستعمار الجغرافيا. وهذا شرط التبعية البنيوية لأنه يحول دون الحجم الكافي للتنمية المادية. ووظيفة إسرائيل وإيران تجميد هذا التفتيت لمنع التحرر منه. ووظيفة الأنظمة التي نصبت تفتيت التاريخ حتى تصبح كل محمية ذات “شرعية” تاريخية أساسها نفي الوحود الروحية والعودة بالإقليم إلى ما قبل نشأة الأمة.
كل المعركة الحالية هي فشل ذلك ومحاولة تكراره بحذق أكبر. يريدون تحقيق ما تصوروه قد تحقق بالحرب العالمية الأولى وسايكس بيكو وإيجاد إسرائيل وتشجيع إيران وروسيا للقضاء على النهضة السنية في الأقليم. ولذلك فالمستهدف الأساسي من الآن فصاعدا هو تركيا. لكن تركيا لن تقع في فخ سوريا الذي نصبوه لها.