ذات يوم رفع أحرار الثّورة وأنصارها شعار “وينو البترول” من أجل استكمال أهداف ثورة الحرّيّة والكرامة على نظام الفساد والإستبداد. رفعوا شعارهم من أجل أن تستعيد الدّولة سلطتها على ثروات الشّعب المنهوبة أملا في تحقيق العدالة الغائبة وتحقيق أحد أهمّ شروط استقلالها. “وينو البترول” كانت حملة لتقوية الدّولة وليس لإضعافها أو التّحريض على مؤسّساتها.
أمّا أن ترفع تلك التي لا تسمّى ولكن تكنّى بحمّالة الحطب شعار “وينوالياقوت”؟ وأن يرفع آخرون من بقايا النّظام البائد وأصحاب المصالح من المهرّبين والمتهرّبين، تعينهم على ذلك تنظيرا وإخراجا نخب حداثويّة أوغلت في الفوضى، قد تكون يئست من الصّندوق ولم يعد يستهويها وأصبحت تراهن على التّغيير بوسائل غير ديمقراطيًة. أن يرفع هؤلاء جميعا شعار “إسقاط النّظام”، فذلك محض تهييج للشّارع، تقوم به مخالب صغيرة لثورة مضادّة وعنيفة تنسج خيوطها وراء الحدود ومن وراء البحار.
لسنا في أحسن حال، وهذا أمر لاجدال فيه. فالغلاء والبطالة وغياب التّنمية وانعدام الرّغبة في تغيير منوال التّنمية مع غياب الأمل، فتلك أوجاع تهدّد بانهيار تجربة ديمقراطيّة مازالت في خطواتها الأولى. لم يعد خافيا أنّ الذين صنعوا تلك الأوجاع هم أنفسهم الذين يرفعون شعار “إسقاط النّظام” فهم صنّاع الأزمات وهم تجّارها ويطلبون من الشّعب أن يكون حطبها.
وهم الذين عطّلوا التّنمية وقطعوا الطّريق إليها، وهم الذين يحتجّون اليوم على غيابها. فأيّة وقاحة أكبر من هذه؟ وأيّ نظام يريدون إسقاطه؟ هل يريدون إسقاط مجلس نوّاب الشّعب؟ أم يريدون إسقاط حكومة لم يبق في عهدتها إلّا أشهر قليلة؟ أم يريدون إسقاط الإستحقاق الإنتخابي القادم؟. مغالطة في منتهى المكر. ليس خافيا على أحد أنّهم يريدون من ورائها ردّة إلى نظام الحزب الواحد وتصفية مكتسبات الثّورة وإن كانت قليلة بدل تعزيزها من خلال استدعاء تفاصيل المشهد الذي أطاح بالمخلوع. قبل ثمانية أعوام أحرق البوعزيزي نفسه، فكانت “ثورة البرويطة”. واليوم مصوّر صحفيّ ينتحر حرقا أو ينتحروه، فتنطلق على جناح السّرعة الإحتجاجات مطالبة بإسقاط النّظام. نقابة الصّحفيين هي الأخرى لم تتأخّر عن ركوب الحدث فأعلنت إضرابها يوم 14 جانفي تزامنا مع الذّكرى الثّامنة للثّورة. يد مع الثّورة والأخرى عليها، أمّا أنصار الثّورة فهم مرتبكون، لا يملكون إلّا الإنتظار، ينتظرون قدرا ينجيهم وينجي ثورتهم.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.