نَعيبُ ثورتنا وَالعَيبُ فينا
في مثل هذا اليوم من ثمان سنوات.. يوم 17 ديسمبر 2010.. اندلعت شرارة الثورة التونسيّة..
ثورة أطاحت بالأنظمة الديكتاتوريّة التي سيطرت على تونس منذ استقلالها سنة 1956..
طوال ثمانية سنوات تمتّعنا بحريّة لا مثيل لها..
حريّات شخصيّة..
حريّات عامّة..
حريّة الرأي والفكر والتعبير والنشر والإعلام..
حريّة الانتخاب واختيار الحكّام..
وبرغم كلّ النقائص والسلبيّات والمساوئ والخيبات..
فأنّه لا شيء يعادل فعلا طعم الحريّة..
لا شيء يعادل فعلا طعم الحريّة..
لا شيء يعادل فعلا طعم الحريّة..
وليس صحيحا أنّ الوضع اليوم كارثي كما لم يكن أبدا قبل الثورة..
وليس صحيحا أنّ تونس في عهد بن علي.. أو في عهد بورقيبة.. كانت أفضل وأجمل من اليوم..
الصحيح أنّ الفوضى والفقر والمصاعب والمصائب والأزمات والاقتصاد المتخلّف والفساد والنهب والإجرام والبطالة والغلاء والديون.. كلّها.. وغيرها.. كانت موجودة قبل الثورة..
لكنّ الفارق أنّنا لم نكن نسمع بها..
ولم يكن الإعلام يتحدّث عنها أو يغطّيها..
وكانت المعلومات والأخبار والأرقام مغلوطة ومخادعة ومدلّسة..
وكان التزييف والتجميل والكذب الرسمي يخفي الواقع المرير الذي أصبحنا نراه على طبيعته اليوم..
ولم يكن الناس يجرؤون على الخوض في كلّ ذلك..
ولو فعلوا كانت السلطة تقمعهم وتسجنهم وتعذّبهم وتنكّل بهم..
اليوم.. ومن فرط ما أصبحت الحقيقة متوهّجة.. ظنّ الناس أنّ الدنيا تشتعل كما لم تشتعل أبدا من قبل..!!!
ولو لم نخرج من الثورة إلاّ بالحريّة.. والديمقراطيّة.. وانعدام الخوف.. والحقّ في انتخاب من يحكمنا.. لكان ذلك كافيا وزيادة..
وهو وحده قادر على تأسيس تقدّم وازدهار بلادنا مستقبلا..
حتّى هذا الفشل الظاهر في تحقيق أهداف الثورة.. فسببه ليست الثورة نفسها.. ولكنّه يعود لأسباب عديدة أهمّها ثلاث:
• أوّلا.. أنّ الأنظمة الديكتاتوريّة لبورقيبة وبن علي دمّرت البنية السياسيّة والاقتصادية والفكريّة والاجتماعيّة في تونس تماما طوال خمسة عقود كاملة.. وقضت على أيّ طبقة سياسيّة يمكن أن تقود البلاد.. وبالتالي فإن الأمر يحتاج لسنوات عديدة لإصلاح ما تخرّب وفسد وانهار طيلة خمسين سنة..!!
• ثانيا.. أنّ تحقيق الأهداف الإقتصاديّة والإجتماعيّة والفكريّة السامية.. يحتاج بطبيعته لبعض الوقت.. وهو لا يمكن أن يكون إلاّ نتاجا لثورة فكريّة وثقافيّة وتعليميّة.. تكون الثورة السياسيّة هي شرارتها التي تفتح الطريق لها.. وتنهل من مبادئ الثورة.. وتستفيد من جوّ الحريّة ومناخ الديمقراطيّة.. وتؤسّس لفكر جديد.. ولجيل جديد من المواطنين الأحرار المفكّرين والفاعلين .. لا “أشباه العبيد” المقموعين والسلبيّين والمفعول بهم..!!
• ثالثا.. أنّ الحكومات التي جاءت بعد الثورة لم تكن على قدر الثورة.. ولم تكن لديها رؤية أو برامج للدولة أو مشروعا وطنيّا أو كفاءة أو قدرة على الإنجاز أو سياسة ذكيّة..!!
زد على ذلك أنّها جوبهت بحرب من أصحاب المصالح والمستفيدين من النظام القديم.. وجوبهت بمقاومة من بعض عموم الشعب التي ترفض التغيير وتخاف من التجديد باعتباره مجهولا بالنسبة لها..!!
وكما قال الإمام الشافعي يوما:
«نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا
وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا” !!
وبعض الناس أيضا يعيبون الثورة.. والعيب في الناخبين وفي الحكومات التي انتخبوها..!!
هذا كلام لا يفهمه ولا يتطعمّه من يعتقدون أنّ الخبز أهمّ من الحريّة..!!
ولا من يؤمنون بأنّ السعادة تقاس بالقدرة على شراء الباذنجان لا بالقدرة على العيش بكرامة..!!!